بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آذار 2023 12:00ص أهلاً رمضان

حجم الخط
ها نحن الآن في رحاب الشهر الفضيل الذي يحمل في نسائمه ثقافة خاصة ومميّزة بنكهتها وانعكاسها علی التصرّف الفردي الذي يشكّل بمجمله السلوك المجتمعي.
ثقافة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل لتصحّح الخلل الذي تسببه ظروف أيام خلت.
والسؤال الهام هو: ماذا لو عمّت ثقافة رمضان كل أيام العام؟.. ماذا لو عمّت هذه الثقافة العلاقات المجتمعية؟.. ألا نصل الى ما يشبه أو يطابق مدينة أفلاطون الفاضلة؟..
يبقى الكلام غير مكتمل الوضوح من دون أمثلة تؤكده وتجعل منه حقيقة ملموسة..
أمثلة تحصل خلال أيام الشهر الفضيل..
- جاران عزيزان قريبان تجمعهما الجيرة، نشب بينهما خلاف حول موقف سيارة أحدهما في باحة المبنى، وعادة في مثل هذه الحالات وكما جرت العادة يعلو الصراخ ويحتدّ الشجار وقد يصل الأمر الى التضارب وحضور الشرطة والذهاب الى المخافر وربما الى المحاكم.
صمت أحدهما لحظة وقال: لن أرد عليك سامحك الله لانني صائم. فما كان من الآخر إلّا أن تقدّم معتذراً ومقبّلاً جبينه وانتهى الخلاف.
- تاجر جملة أرسل بضاعة الى صاحب محل كان قد طلبها في اليوم السابق، وفي اليوم التالي حضر الرجل الى مستودع تاجر الجملة ليقول ان ثمة خطأ حاصل: فالمسجل في الفاتورة عشرة من هذا الصنف بينما وصلني عشرين.. والدنيا رمضان.
- سائق سيارة تسير في شارع ضيق اصطدمت سيارته بسيارة متوقفة لم يلحق بسيارته أي ضرر وإنما كسر ضوء السيارة المتوقفة.. أوقف سيارته جانباً وراح يبحث عن صاحب السيارة المتوقفة حتى عثر عليه وأبلغه انه جاهز لدفع قيمة الضرر، فدهش الآخر وقال له: أتعبت نفسك. فأجابه: الدنيا رمضان..
وإذا أضفنا الى ما سبق من أمثلة، هناك زخم الصدقات والمعونات في هذا الشهر الفضيل ومعها ما هو جداً ألا وهو صلة الأرحام تبيّن كم ان هذه الثقافة تجعل من المجتمع مجتمعاً صالحاً.. لا بل مثالياً.
أحد الأصدقاء المسؤولين في الأمن الداخلي أخبرني انه خلال شهر رمضان تنخفض كثيرا حوادث السرقة والاحتيال والنصب والتعدّي والافتراء الى آخر ما تعاقب عليه القوانين الوضعية..
وكأن الضمير في هذا الشهر يستفيق من غفوة أو سهوة ليعود في عملية تطهير الروح بموجب الأوامر الإلهية التي هي أساس وأصل كل القوانين الوضعية منذ شرائع حمورابي حتى اليوم.. وفي المستقبل، ثقافة رمضان هي ثقافة الإنسان الإنسان كما يجب أن يكون خالياً من تلوث أدران الدنيا وشوائب العصر بكل مكوناته.. وصولا الى السياسة وممارسة السلطة والتعلق بها الى حد ارواء الأرض بالدم.