بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تموز 2023 12:00ص الأضواء التي تغربل قيمة الشكل في أعمال الفنان بول كينتون

من أعماله من أعماله
حجم الخط
يصوّر الفنان بول كينتون Paul Kenton خيالات المدن، بأسلوب اختزالي يجسّد رؤية فنية تشكيلية، يكشطها لتتبلور منها الحركة الحيوية التي يختزل منها الإكتظاظ المشوّه للمشهد من خلال قساوة المكشط الذي يستخدمه بعيدا عن الفرشاة والأدوات الأخرى، وقدرته في تحديد طبقات اللون ما بين ترقيق وشفافية أو بين سماكة وغلظة في التركيب اللوني، لكنه يمنح ليونة الألوان إنسيابية يعكس فيها المدن التي يراها جماليا مجرّدة من شوائب الأضواء التي تغربل قيمة الشكل إن صح القول، فالانسيابية في الخطوط تمنح المتلقّي إحساسا مرئيا يميل إلى خلق التوازنات التي يجعلها نشطة بصريا بمعنى كل ما يتراءى من خلال الالتماعات التي يكشطها بنعومة، وبجرأة بانورامية أيضاً، معتمدا بذلك على عدة معايير ضوئية يتبعها نسبية الظل، لخلق الأجواء الجمالية تبعا للعناصر الأساسية المدروسة في مساحة كل لوحة، وكانه يصمم أمكنته وفق رغباته الجمالية في الوجود الذي يفرض نوعا من العتمة يحاول هو تعديلها في رسوماته مع الألوان التي يتحكم بها، ويوجهها ضمن أساليبه في الرسم من حيث الحساسية البصرية والتأثيرات المزاجية على النفس ليوحي ببرودة الإضاءة الليلية ودفء أضواء النهار المشعّة من فواتح الألوان التي يمدّها لتسترخي الطبقات وتمنح الحس البصري نوعا من الإدراك.
يسعى «بول كينتون» الذي ولد في دربي بانجلترا عام 1968 وانتقل إلى جنوب انكلترا عام 1977 لفتح النوافذ على المدن الكبرى، وصخبها الكامن في قوة الإحساس بها من حيث المتناقضات بين الأشياء الأقصر والأطول، الضخم والنحيف، الرقيق والسميك، للحفاظ على الإيقاعات البيولوجية للشعور بالجمال من حولنا في كل شيء، حتى ضمن الأمكنة التي قد نشعر أن صخبها مؤذي. إذ من غير المحبب للنفس التمسّك بسمات المدن الكبرى في الفن دون خلق روحية خاصة لرؤية الفنان الخاضع لنواميس التشكيل، وإن ضمن خاصية التفرد في تشكيل الأنساق المكانية الموصولة بما تجذّر في النفس، إلّا أنه يميل إلى فرض عدة عوامل على مساحات لوحاته منها الفراغات، وتأثيراتها على الضوء وعوامل الطقس وخطوات الحركة التي يفترض أنها الجزء الأهم في الأمكنة. فهل يستجيب المكشط الذي يستخدمه في بتر الزوائد في المدن لرغباته الجمالية في تحديد قيمة الضوء؟ أم هو يتشكل حسّيا مع كل شكل يرسمه ويمنحه قيمة كبرى في تجسيد امكنته أو ما يسعى إليه من خلال الفن التشكيلي؟
يتجاوز مكشط الفنان «بول كينتون» ملحمية الألوان بمعنى السيطرة على لون ما ليتكون ضمن الحدود المرسومة له تخيّليا في المساحة المحددة التي يفرضها، وبهذا هو يؤثر على المكان، وكأنه يحاول القول أن أمكنتنا تتشكل تبعا لمحتوانا التطوري على مرّ الضوئيات، ولعل أكثر الأمور جمالية في أعماله هي تبسيط الأمكنة المعقدة واختزال ما فيها، لتصبح مفتوحة على عدة تأويلات مكانية يتبعها التنبّه البصري، وما يؤديه الإدراك في هذه الحالة من توليد لأفكار ورؤى هي مدن مستقبلية افتراضية في تطلعاتها تستطيع بث الخصوبة في المخيلة، لتعزيز قوة التمسّك بالذي نملكه من مساحات في مدن نسكنها، وتشكّل لوحة في المعنى والمبنى والأسلوب، والقيمة السكانية الشبيهة بقيمة اللون والضوء في اللوحة. فهل تزخر لوحات «بول كينتون» بالرؤى الحياتية والوجود الذي يشكّل نوعا من الغموض في الدنوّ من الكيفية التي تنشأ فيها المساحات أو الإنسان أو الجماد أو الطبيعة، والتي تشكّل الكثير من التساؤلات المحكومة بالصرامة والليونة، ولكن بنسبة قوية هي صارمة للإهتداء إلى سر المسارات المخفية في الأوقات، وليس الزمن في لوحاته إلّا كالصباح والمساء ومنتصف الليل والظهيرة والنهار، وما إلى ذلك من لا متناهيات في الشكل والمضمون والأبعاد البصرية، لينشئ ميزانا لفوضى المدن من خلال الفن التشكيلي ورؤيته الخاصة.