بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الأول 2023 12:00ص الإنفعالات النفسية بشكلها الجمالي في لوحات الفنان حليم جرداق

من المعرض من المعرض
حجم الخط
يتحرك الخط في لوحات الفنان التشكيلي «حليم جرداق» (Halim Jurdak) بفوضوية تميل إلى العبثية التي تعيدنا إلى التنظيم بقوة من خلال الإحساس بتفجير الإنفعالات النفسية بشكل جمالي يتحكم بالعقلانية، لإدراك العالم من حولنا من خلال استخراج الباطن النفسي في التشكيل الذي يميل إلى العواطف التي تحركنا من الداخل، وتتحكم في الأعصاب أثناء الرسم عند فوران العاطفة النفسية، وكأنها تفيض بيولوجياً، لتمثل نشأة العواطف اللونية عند «حليم جرداق» تحديداً. إذ تتعدد الأحاسيس المتناقضة في لوحاته مثل القلق والفرح والحزن والاستياء والمحبة، والتضارب والصراع والانفتاح، وما إلى ذلك من تعابير تستخرجها النفس وفق سمات عاطفية نتأثر بها بصرياً هي السر النفسي الذي يصعب تفسيره عند الفنان الذي يختزن الكثير من الإحساس بالوجود، والانفتاح على الأشكال من حولنا، وغموضها الذي يجعلنا نستوحي منه الكثير من المعاني الجوهرية المرتبطة بحالات عقلية تعكس اللاعقلانية في فوضويات الحياة، وكأن العاطفة عند «حليم جرداق» تتصارع مع العقل، فينشأ عنها تجريدات رؤيوية هي تصحيح الخطأ النفسي الذي يصيبنا عند التوتر، وتجعلنا نجهل أنفسنا أكثر. فالتصورات العاطفية الجرداقية هي قوة تمثيلية للمشاعر التي يتحكم بها العقل، وتنفلت أثناء الرسم بأريحية تحكمها أخلاقيات تجعلنا نرى فوضويات الشكل من الداخل. فالفراشة رغم جمالها هي مجموع خطوط تتشكل بطريقة مختلفة في مختلف رؤياتنا، ونحن في شتى حالاتنا النفسية المتنوعة. فخصائص الرؤية الانفعالية أو الرؤية غير العقلانية هي استجماع للأسس التجريدية للشكل، وبتقييم مستقل حسياُ. فهل حاول الفنان «حليم جرداق» فلسفة العواطف بعقلانية في الفن التشكيلي؟ أم أنه احتفظ بالجوانب الشخصية التي لا تتوافق مع نظم الحياة؟ وهل استقل بالقيم الإنسانية واحتفظ فيها ضمن كنه لوحاته لتكون سراً بصرياً بقوة حدسية على المتلقّي اكتشافه؟
إن الخصائص العبثية في لوحات الفنان «حليم جرداق» هي تمثيل للعواطف الإنسانية التي يسيطر عليها العقل، وتحاول الإنفلات منه عبر النسب البصرية، وتفاصيلها المفتوحة على عدة تأويلات يغذيها بالخطوط اللينة، والمتكررة بعد إيقاعات مختلفة تمثل التقلّبات المزاجية عند الإنسان العاقل الذي يفكر ويتفكّر بالخطأ والصواب بعيدا عن ما يسمّى وصفياً، متخذا من التقييمات التشكيلية منحى دراماتيكي مرن يتوافق مع قدراتنا الذهنية في الاحتفاظ بالمشاعر، لحالات عاطفية مختلفة منها المضيء والمظلم، ومنها المفرح والمحزن، والتي تعتمد على تأويلات فنية تقييمية في أبعادها الذاتية التي انطلق منها بموضوعية المواقف التي انبثقت من خلالها اللوحة التمثيلية للعواطف بكمياتها الفائضة عن المشاعر، والتي يتسبب بها العقل وقوة التفكير في التفسيرات التي نجهل أجوبتها، كالموت بعد الحياة، ومسألة حياة الإنسان في الدنيا، وفلسفتها في قالب عمري لا ندرك متى يبدأ ولا متى ينتهي. وبالتالي هو يجسّد عدة ولادات ذهنية هي مجموع الكيانات العاطفية التي تعصف بالنفس. فهل التجاوزات الإنفعالية في النفس هي مجموع الحركة في مساحة ذات مزايا موضوعية عاطفياً؟ أم أنه يمكننا الوصول إلى العوالم المعرفية في الحياة، وعوالم القيم النظامية بعد إخراج قيود المعتقدات والأعراف غير التقييمية لمعنى الإنسان من خلال الرسم الذي يعتبره جرداق مجرد آلية معرفية للعاطفة التي يفرزها العقل، وبثقة يجسّدها الخط بتسلسله وتغيّراته وتحوّلاته، المتضمنة حميمية الأحاسيس الشخصية، وهي بمثابة التحفيز المعرفي الذي يلجأ إليه العقل، لترشيد العواطف والإمساك بها لفهمها نفسيا بشكل جدّي وبعيداً عن الفوضوية أو العبثية وما إلى ذلك من مفردات شحنها جرداق بجمالية ذات مهابة بصرية تمنح المتلقّي نوعا من الراحة والنفسية، وكأنه خرج من معركة حياتية بتشكيل يجعله يرى نفسه بعلو نحو القيم العليا والتدرج العقلاني للاحتفاظ بقيمة الشكل (شكل الإنسان المعرفي) أي الذي يدرك قيمة ما يراه، وبالتالي هو يؤمن أن الإنسان هو سيد المخلوقات على الأرض. فهل الفلسفة الجرداقية في التشكيل ترتبط بمسألة الوجود وقيمته العقلية بعد تفريغ شحنات العاطفة ابداعياً؟
المعرض التكريمي للفنان حليم جرداق في غاليري سيمون صفير في ريفون كسروان.