بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيلول 2019 12:01ص الدكتور مصطفى الحلوة لـــ «اللـــــواء»: «مؤتمراتنا الفلسفية

تضمُّ باحثين مشتغلين بالفلسفة.. من لبنان ومن سائر الدول العربية»

د. مصطفى الحلوة د. مصطفى الحلوة
حجم الخط
في استعراض لموجز مسيرته الدراسية وتشكيله العلمي، نجد انه حائز إجازة في الأدب العربي وإجازة في الفلسفة وإجازة في الحقوق (الجامعة اللبنانية)، إلى دكتوراه في الفلسفة، من جامعة ليون، جان مولان وقد بدأ مُساعداً قضائياً، في ملاك وزارة العدل (لمدة ست سنوات ونصف). وقد كان لهذا الموقع أن يُعمِّق خبراته العملية، في مجال القانون، ويُسهم في تأصيل النزعة المنطقية لديّه، ناهيك عن استقامة ميزان العدل والانتصار للحق! ومن ثمَّ انتقل إلى ملاك التعليم الثانوي الرسمي، أستاذاً لمادة الأدب العربي، وليحطّ الرحال، في مشواره المهني، أستاذاً للفلسفة في الجامعة اللبنانية (الفرع الثالث - طرابلس)، وأستاذاً لعلم السياسة، في معهد العلوم الاجتماعية (الفرع الثالث - طرابلس) ولقد واكَبَتْ هذه المسيرة التعليمية، في التعليم الثانوي الرسمي وفي الجامعة اللبنانية، مسيرةٌ نقابية «نضالية»، إذْ شغل موقع نائب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، بداية الثمانينيات، وليتولّى رئاسة «الرابطة» في الشمال، مطلع تسعينيات القرن الماضي. 

وأما عن النضال من أجل الجامعة اللبنانية شمالاً، فقد كان منسّق «لجنة المتابعة» للبناء الجامعي الموحّد في الشمال (مجمّع الرئيس ميشال سليمان)، منذ بداية الحراك من أجل إقامته في العام 2001، وحتى مباشرة ثلاث كليات التدريس في هذا «المجمّع» (الهندسة، والفنون والعمارة، والعلوم)، والرابعة قيد الإنجاز (كلية الصحة العامة).

لقد كان لهذه المسيرة بشقّيها، العلمي/ التعليمي والنقابي المطلبي، أن تكسبه خبرات مُتعدّدة، وعملت على إنضاج الكثير من استعداداته الفكرية، كما كان لها، نهاية المطاف، أن تجد طريقها إلى كتاباته، لا سيما لجهة منهجية الكتابة (المنهجية في العمل لا تنفصل عن المنهجية في النظر!)، ويتبدّى ذلك جلياً من خلال مراجعاته النقدية التي أطلّ بها من على منابر المنتديات، سواءٌ أكان ذلك في طرابلس والشمال أو في بعض المناطق اللبنانية. ولعل خوضه ميادين التعليم، في «الثانوي» لمادة الأدب العربي، وللفلسفة وعلم السياسة في «الجامعي»، أخذه عنوةً إلى المزاوجة بين الفلسفة والأدب، متوسّلاً لغة متينة السبك، على سلاسة وانسيابيّة. ومن العلامات الفارقة، في مراجعاته، غوصه على النصوص حتى الثُمالة، واشتُهر عني أنه «فصفصُ» النصوص! (هذه الشهادة من قبل الألسني د. بلال عبد الهادي)، وذلك على غرار الشاعر ابن الرومي «صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب (..) الذي يغوص على المعاني النادرة، فيستخرجها من مكامنها، ويُبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره، ولا يُبقي فيه بقية» (مقتبس من «وفيات الأعيان» لابن خلّكان). ومع الدكتور مصطفى الحلوة أجرينا هذا اللقاء: 

{ ماذا عن حراكك في إطار «الاتحاد الفلسفي العربي»؟

- واكبتُ «الاتحاد» منذ العام 2003، حينما نزح قسراً عن العراق، وليستأنف نشاطه في لبنان (طرابلس وجبيل)، وذلك بسبب تدمير مقرّه في بغداد من قبل الغُزاة الأميركيين في حربهم على العراق. وقد شغلتُ بداءةً موقع المسؤول الإعلامي، ثم في السنتين الماضيتين موقع الأمانة العامة، ولا أزال فيها. وهذا الإطار الفلسفي تنضوي إليه غالبية الدول العربية. من هُنا فإن كل مؤتمراتنا الفلسفية تضم باحثين مشتغلين بالفلسفة، من لبنان ومن سائر الدول العربية، وكذلك من دول أوروبية. ونحن نعقد كل عام مؤتمراً عربياً دولياً، يتناول قضية فلسفية على تماس مع الواقع المعيوش، ونسعى جاهدين للنأي عن البحث الأنطولوجي الصرف. وحتى تاريخه تم عقد تسعة مؤتمرات، آخرها في مدينة طرابلس (لبنان). ونحن بصدد التحضير راهناً لمؤتمر فلسفي ينكبُّ من منظور الفلسفة وعلم السياسة وعلم الاجتماع على مقاربة أطروحة فشل الإيديولوجية القومية وأنظمتها في العالم العربي (العنوان بشكل مبدئي وليس نهائياً) وقد سبق للاتحاد، خلال السنوات الماضية، أن عقد عدة مؤتمرات بالشراكة مع «المركز الدولي لعلوم الإنسان - جبيل».

{ ماذا، د. حلوة، عن مؤلفك الأخير الذي خصصت به النائب الراحل د. عبد المجيد الرافعي، رئيس «حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي» (حزب البعث/ الجناح العراقي)، الذي أطلقتهُ في الذكرى الثانية لرحيل د. الرافعي في 12 تموز 2019، وهو يضم 750 صفحة؟

- لقد شكَّل هذا الكتاب - كما أعتقد - نقلة نوعية في نتاجي الفكري، كونه لم يكتف بمقاربة سيرة د. الرافعي، أحد أبرز الشخصيات الإشكالية العقائدية التي عرفتها طرابلس في النصف الثاني من القرن العشرين، وما يتعدّى طرابلس إلى العراق والوطن العربي. بل كان لنا أن نميط اللثام عن مرحلة هامة من تاريخ المنطقة العربية ومن تاريخ لبنان الحديث (مع انهيار السلطنة العثمانية والمرحلة الاستعمارية وسايكس-بيكو، والقضية الفلسطينية)، ومن تاريخ طرابلس، «بُعبع الجمهورية!»، وذلك من منطلق اقتناعنا أن عبد المجيد الرافعي لم يكن نتاج بيئتِهِ العائلية فقط، بل هو ابن مرحلة تاريخية تكفل إنتاج شخصيات مماثلة. وهذا ما أخذنا إلى جدل المكان/ البشر/ الزمن، مما أضفى مسحةً فلسفية اجتماعيةً على هذه السيرة بل المسيرة الرافعية. ولم ننهج سبيل واضعي السِير الكلاسيكيين، بل اعتمدنا المنهج الخلدوني في مقاربتنا، المتّسم ببُعد صيروري، مُطّرحين النمط السردي الحكائي الرتيب! ولقد تدرّجنا في الأبواب السبعة التي ضمَّها الكتاب، من الأعمّ إلى العام فالخاص، وكان استعراض لمسيرة «الحكيم» النضالية التي استغرقت ستين عاماً من عمره الزمني (التزم عقيدة البعث في العام 1957 وحتى وفاته 2017)، مما جعله رئيس السن للحزب، على امتداد الوطن العربي! وقد جاء عنوان الكتاب الأساسي والفرعي معبِّراً عن هذه المسيرة النضالية، مثلّثة الأبعاد «عبد المجيد الطيّب الرافعي/ قضيتُهُ الإنسان - رسالتُهُ العروبة - وُجهتُهُ فلسطين». ومما يُسجَّل لنا، وعلى جاري دأبنا، حرصُنا على الانتصار للموضوعية، فلم نُحاب ولم نحد عن جادة الصواب، ولم نضربْ صفحاً عن أية معلومة، حتى لا نقع في «الانتقائية»... وفي كل ذلك كُنا نستهدي قول أرسطو في معلّمه أفلاطون، حينما عارضه في العديد من رؤاه الفلسفية: «أنا صديقٌ لأفلاطون، ولكنني صديقٌ للحقيقة أكثر!». إن هذا المؤلَّف، وإن عدّه البعض أو احتسبه في فن السيرة، فهو قد أفاد من روافد معرفية شتّى، ذلك أن لعلم الاجتماع حضوراً، وكذا الفلسفة، وعلم السياسة، وعلم التاريخ. كما أن للأدب فسحةً فيه، لا سيما أن د. الرافعي كان عاشقاً للعربية، ينظم الشعر هوايةً، فأفردنا فصلاً، أكببنا فيه على مقاربة قصائد وكتابات نثرية، صاغها بلسانٍ عربي مُبين!


dohamol@hotmail.com