بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 تشرين الثاني 2023 12:00ص الروائي المستشار محمد عبدالعال الخطيب لـ«اللواء»: قارئ التاريخ هو من ينتبه.. قارئ الذكر والقصص هو من ينتبه.. هو من أشار إليه القرآن «أفلا تذكرون»

الروائي المستشار محمد عبدالعال الخطيب الروائي المستشار محمد عبدالعال الخطيب
حجم الخط
إن البحث عن الحقيقة هو ما يودّ الإشارة إليه دائماً في رواياته، خاصة روايته «واحترقت أوراق القضية»، فهو يحاول تقديم المتعة والتشويق والى جانبه الفكر إذ يقول: «لماذا لا نستمتع ثم نفكر؟!», لقد اتبع ذات النهج حتى عندما تعمّد استخدام الفانتازيا في رواية «أرض بلا ظل»، فهي تحمل تساؤلات عميقة عن معنى الظل هذا الذي يلاصقنا دائماً. هو المستشار والروائي السكندري محمد عبد العال الخطيب نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، عضو اتحاد كتّاب مصر، عضو اللجنة الثقافية باتحاد كتّاب مصر، عضو نادي القصة، عضو المركز الإعلامي لهيئة قضايا الدولة، المشرف على المكتبة التراثية بهيئة قضايا الدولة وكان له دور كبير في تأسيسها، عضو لجنة تحرير مجلة هيئة قضايا الدولة سابقا. صدر له عدة كتب تاريخية مثل: «قناة السويس من المهد حتى التحرير»، «عصر النخبة»، «قضايا الدولة عبر التاريخ»، «بعضُ من المفقود في القضايا والفتاوى والعقود». وصدر له عدة روايات مثل: أرض بلا ظل - الأخدود - أخطر الرجال - البهلوان. كما صدر له عدة كتب قانونية مثل: الفارق في منازعات رجال القضاء بين قضاء محكمة قضاء النقض والمحكمة الإدارية العليا وغيرها...
مع المستشار والروائي السكندري محمد عبد العال الخطيب أجرينا هذا الحوار..

{ واصل بن عطاء والمعتزلة من الأمويين، هل اعتبر هذا تلميح روائي ما؟
- عندما أشرت إلى واصل بن عطاء لم أقصد الإشارة إلى الدولة الأموية بل إلى واصل بن عطاء نفسه وطريقته في التفكير، فالمعتزلة فرقة كلامية اعتمدت على تغليب العقل قبل النقل اعتمدت على الحرية العقلية - أنا لا أدعو لها - ولكن تلك الفكرة هي قلب رواية «واحترقت أوراق القضية» لقد أغلق ملف قضية حريق القاهرة بصدور المرسوم بقانون 241 لسنة 1952 باعتبار كافة الجرائم التي وقعت خلال الفترة من 26 أغسطس عام 1936الى 23 يوليو 1952 - (ومنها جريمة حريق القاهرة ) - جريمة سياسية, وهو ما يعني من الناحية القانونية انغلاق هذا الملف تماماً وأصبح هناك مانع قانوني بالفعل من إعادة البحث. وفي حقيقة الأمر نحن أمام قضية فكرية وليس أمام قضية قانونية فقط, قضية تلاعبت بمصير دولة, وأشارت أصابع الاتهام إلى الكثيرين ولكن اتفقت المصالح جميعها في تلك اللحظة من تاريخ مصر على غلق هذا الملف فكان الوطن هو الضحية في نهاية الأمر. ولكن حتى مع هذا المنع القانوني، المانع من إعمال العقل فأنا أراه قاصرا لأنه اعتمد على فكرة لا أراها بديهية وهي أن تلك الجريمة سياسية في حين أراها جريمة جنائية من طراز فريد.
واصل بن عطاء هو رمز تحطيم قيود الفكر لذا تساءل بطل الراوية هل من اللازم أن أخوض المظاهرات كي أعبّر عن حبي للوطن؟ هل هذا القالب المصنوع تعبيراً لحب الوطن لازم لكل من يحب بلده؟!، هذا من ناحية ومن الناحية المواجهة لفكر البطل الأول للرواية واصل كان البطل الثاني في الرواية سليمان الذي انتهج القالب العكسي بالانضمام إلى حزب مصر الفتاة واضطلاعه بالمظاهرات فعندما اعمل العقل في نهاية الرواية بلغ نفس النتيجة التي نشأ عليها واصل أي الحرية في التعبير عن حب الوطن لا قوالب مصنوعة ولا قيود على الفكر وأولها لا قيود في التعبير عن حب الوطن.
{ عم عبده والذاكرة التاريخية ونقاط متعددة تثير في كل منها عودة للماضي وأهمية تلك الفترة، لماذا هذا الخط الروائي الخلفي؟
- عم عبده يمثل شريحة كبيرة من المواطنين, لكلّاً منا فكر ورأي، ولكن انشغل بهمومه عن كل ذلك, عم عبده شخصية حقيقية أضفت لها بعض اللمسات الدرامية كان رجل سياسي من أصدقاء هنري كورييل في فترة الأربعينيات, هذا الرجل - في الرواية - عندما ضاع حلمه في الحب والعشق لم يبقَ له سوى حب الوطن, لذا فان معظم الثائرين في أي بلد -للأسف- يكون على ذات تلك الشاكلة - «لا أبكي على شيء» -، هذا الرجل عندما استفاق لحب الوطن أصبح له ذاكرتين وليس واحدة، ما كان عليه عندما كان يفكر في حبه وعشقه بعيدا عن الوطن, وما كان يجب أن يفعله لو أدرك الأمر مبكراً، لذا فان هذا الرجل في الرواية كان له أهمية خاصة جدا عندما كان وضع تفكير وأعمال أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة أو الحزب الاشتراكي في ميزان عقله، فقد استخدم الذاكرتين عند تقييمه للأمور، كان نافذة على تطور الأمور مثل مكافحة البغاء والدعارة، كان يدافع عن حبه وعندما نضج أدرك أن القضية تتعلق بالوطن وليس به فقط.
{ التعددية السياسية في مصر خلال فترة فتحت نافذتها للقرّاء لماذا؟ وهل واصل هو استمرار لتحديث الرؤية التاريخية في العصر الحديث؟
- بقدر تعدّد الأحزاب في تلك الفترة من تاريخ مصر بقدر تعدّد المصالح المختلفة والتي منها ما أصاب الوطن في مقتل، بعيداً عن التعددية الحزبية التي يرى الكثير منا العديد من المزايا فيها, ولكن في تلك الرواية كان الهدف هو الجزء الأسود أي المصالح التي ضربت الوطن، لقد تكالبت المصالح في تلك القضية على أن يكون الوطن هو الضحية، والرواية لم تلق بظلال الشك على الأحزاب فقط بل الجميع كالقصر بل أشارت إلى وجود بعض المصالح الفردية أيضا، الجميع تحت راية الفكر والتدقيق لا يوجد قالب فكري أو مانع يمنع من استبعاد أحد من الظن والبحث خلفه، وقد كان لهذا أثره في تقنية الرواية حين عمدت إلى تعدّد الرواة في الرواية كدلالة على اختلاف الرؤية, واصل كان بطلا للرواية وراوياً مشاركاً، كان يعتصر عقله أسئلة جمّة هي في ذاتها تمثل ابهامات وتحدّيات تاريخية, واصل ومن مثله مفاتيح لقراءات تاريخية جديدة، لأنه شاهد رؤية رأى الدليل ولكن قد لا يملك مفتاح فهمه، على مثل واصل نبحث ليتيح لنا من خلال أدلته قراءات تاريخية قد تكون مبهرة في تفسيرها بأدوات العصر الحديث، لتصير رؤية تاريخية جديدة. على مثل وصل نبحث عن شهود الرؤية والأدلة لنبحث من بعدهم؛ ليصير واصل ومن مثله مفاتيح لقراءات تاريخية جديدة.
{ إزالة كفر أحمد عبده بالكامل ألا تشعر أن جغرافيات المناطق العربية في تغيّرات مستمرة، وهل التاريخ في دائرية لا تنتهي؟
- سؤال أكثر من رائع فهذا هو الهدف من الرواية بالفعل، التذكّر، إن التاريخ يُعيد نفسه فيحمل ذات الخطر ولكن في شكل مختلف وهذا هو الهدف, لقد أشار القرآن الكريم إلى الهدف من القصص بصفة عامة بذكره: «أفلا تذكرون», «فلولا تذكرون»، «قليلا ما تذكرون»، «لعلكم تذكرون».
إن القران الكريم أفضل القصص وأبلغ حديث وأفصح دلالة, وأبلغ فهما، وأكثر إدراكاً, أشار إلى دائرية الأيام والسنين, ما الفرق بين هدم كفر عبده وهدم غزة الآن؟, ما الفرق بين حرق كنيسة السويس في الثامن من يناير عام 1951 قبيل حريق القاهرة، وحريق كنيسة الإسكندرية في الأول من يناير عام 2011، إزالة كفر عبده وإزالة غزة الآن، إن العدو يستخدم ذات الأسلوب ولكن من ينتبه؟ قارئ التاريخ هو من ينتبه، قارئ الذكر والقصص هو من ينتبه، هو من أشار إليه القرآن «أفلا تذكرون»
معركة «كفر عبده»، كانت في صباح الثامن من ديسمبر عام 1951، وقف قائد القوات البريطانية في منطقة القناة «أرسكين»، وهو يشرف على إزالة حي كامل من أحياء السويس يحوي 156 منزلاً وألفي مصري، بحجة أن هذا الحي يقع في الطريق الذي يربط بين وابور المياه «محطة الفلترشين»، وبين معسكراتها في طريق الإسماعيلية، وبناءً عليه لا بد من إزالة كفر أحمد عبده بكل ما فيه، لم يتوانَ الإنجليز في تنفيذ مخططهم، فأنذرت المحافظ بالنسف، ثم قطعت كل الطرق المؤدّية للسويس، وقطعت التليفون والتلغراف، ثم بدأت قواتها المكوّنة من 6000 جندي من فرق الكوماندوز والمظلات ومعهم 500 دبابة بنسف البيوت بعدما أخرجوا الأهالي، وكان الهدم بوقوف أربع دبابات أمام المنزل، ثم قذفه لتأتي الكاسحات فتجعله جزءاً من الطريق في الحال، وصاحب المنزل يبكي من الجانب الآخر مقهوراً من الأسى والحزن، ما الفرق بين ذلك وبين الإبادة التي تحدث في غزة الآن ذات الخطر متلبّسا رداء جديدا وراية جديدة.
{ مستشار محمد عبد العال الخطيب هل احترقت أوراق القضية؟
- طالما كانت هناك حياة، وطالما ظل العقل قائماً وباحثاً عن الحقيقة لن ينغلق باب ولن ينغلق ملف؛ فهناك من سيأتي من بعيد لينبش في الأحداث الغابرة والأوراق ولو كانت محترقة كم من قضايا أعتقدنا بانغلاقها ليأتي دليل من بعيد ليشهد لنا بأحداث لم نكن نتخيّلها, قضيتنا لن تنغلق ولو أعتقدنا ذلك، يموت البشر ولا تموت الأوطان وقضيتنا قضية وطن لم ولن يموت.