بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 حزيران 2020 12:00ص الضوضاء الموسيقية في لوحة الفنان بيلا دي كريستو

من أعماله من أعماله
حجم الخط
 سلك الفنان الفرنسي المجري بيلا دي كريستو (Bela de Kristo) النهج التكعيبي الصارم، المشحون بموسيقى الجاز التعبيرية القادرة على استخراج ما في النفس من غضب أو حزن أو فرح، والذي يندمج مع مفهوم آلة الجاز المرتبط بالسود في أميركا، والقريبة من مفهوم التناقض بين الألوان وموسيقاها القوية بصريا، الممتزجة بلغة الحياة وصخبها معتمدا في لوحاته على النظام الصوتي المتقطع نوعا ما، مما يتسبب بالتكعيب المجزأ بين النظام والفوضى أو الأحرى الضوضاء الموسيقية المتمردة على التدفق البصري المختلط بالتأثيرات المتعددة الأصوات أو الأحرى المتعددة الألوان والحركة، خاصة وأن موسيقى الجاز هي موسيقى الحركة والغموض محوّلا الخطوط الى تيارات نغمية ذات تدرّجات ترتكز بقوة على التضاد دون المساس بالمفهوم الارتجالي الضوضائي من حيث الشكل الداخلي، بعيداً عن الشغب الذي يخفيه بضربات الريشة الشبيهة بضربات القلب أثناء العزف، إذ يعكس النسب اللونية على الضوء، لتتفاعل الألوان الباردة والحارة وفق رؤيته الموسيقية الخاصة أثناء الرسم متكيّفاً مع الظروف المحيطة بمعالم اللوحة، كأنه يعزف الجاز مع الألوان، ويعيد بداية عصر ثورة السود في أميركا، وبداية عصر الجاز وموسيقاه التي تكمن في آلة قوية، كما تكمن القوة في ريشته ونهجها التكعيبي، مع الحفاظ على الهيكل التعبيري للألوان التي تهدف الى تحديد الفراغات وخصائصها في رسوماته الغنية بصريا والشغوفة بموسيقى الجاز الايقاعية والارتجالية، النابضة بالحياة. فهل اللوحة هي لتخفيف معاناة السود أم أنها ترمز الى نشوء موسيقى الجاز والشغف بها؟

موسيقى بصرية تنوّعت معها الألوان والخطوط وفق علاقة مرئية غير مباشرة من الريشة ذات الطبيعة التعبيرية، وان طغت عليها التكعيبية، لتبدو بوضوح التقاطعات بين شتى الأشكال، لتمثيل الفكرة الموسيقية تشكيلياً محتفظاً بالمستويات النغمية القوية في ايحاءاتها المرتجلةـ والتي أحدثت ثورة في القرن العشرين، ومنحت بيلا دي كريستو نظرة فنية غنية بلغة حياتية نابضة بالدلالات التشكيلية المؤثرة على مسارات اللوحة نفسها التي تشير الى القوة والطاقة الحيوية، التي تعزز فكرة موسيقى الجاز المتعددة الرؤى، والقادرة على استخراج المكنون النفسي للعازف على هذه الآلة، وعلى الرسام الذي يسمع شغفها ويرى حركتها واهتزازات صوتها، وتاثيرها على العازف. فهل من موسيقى جاز تشكيلية خاصة بريشة بيلا دي كريستو؟

الموسيقى التي من أصل أفريقي ومن أصل أميركي هي موضوع اللوحة المتأرجحة ما بين الأبيض والأسود في لوحة هي حكاية المعرفة الموسيقية المرتبطة بأصول هذه الموسيقى، والتي ينتمي إليها البيض والذين يحملون رايات حقوق الإنسان، وربما لهذا غمّس بيلا دي كريستو ريشته باللون الأبيض، لتحاكي العازف الأسود في اللوحة بعيداً عن العنصرية، ليجلب البصر الى لب المفهوم الشعبي الفريد لهذه الموسيقى تحديدا، والمحاكية للأسلوب التكعيبي مع الحفاظ على التعبيرات المتحررة من التكعيب بين الشفافية والإيحاء، وبين الزوايا عند اليدين حيث الارتفاع الى أعلى مع الجاز أو التصاعد الوجداني الملتصق بمفهوم الآلة النفسي وحدّتها في إظهار المحتوى النفسي. فهل التعبير اللوني تجزّأ مع المفهوم التكعيبي الموحي بالقدرة على فهم حركة صوت الجاز وقوته؟

تتطوّر الخصائص من لوحة الى لوحة في أعماله من لوحة الجاز الى لوحة الطبيعة الميتة، ولكنه في لوحة الجاز استطاع تطوير الايقاعات التي تماوجت بين الظل واللون، وبين الضوء عند الداكن والفاتح، لتتلاعب المخيّلة بتوافق لحني بين النغمات اللونية كافة، لينحصر اللون الأسود والأبيض بين الأزرق والألوان الأخرى المتوافقة مع مصطلح الجاز والحركة الصادرة عنه ان في الجسد ومداه أو في البصر والمدى الصوتي المتأثر بالخطوط والمساحات واتساعها. فهل وتيرة الألوان المحمومة هي لغة الحياة النابضة بمعنى الجاز وبداياته؟





dohamol@hotmail.com