بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 شباط 2020 12:02ص العربي بنجلون لـ «اللــــــواء»: إذا أردنا أن نكتب عن أي دولة ينبغي أن نقرأ أدبها

بعض المؤرّخين يُباعون ويُشترون لكن الأديب لا يُباع ولا يُشترى

الكاتب المغربي العربي بنجلون الكاتب المغربي العربي بنجلون
حجم الخط
تبدأ حكاية الكتابة عند الأديب المغربي العربي بنجلون منذ الطفولة، هيّأ نفسه للكتابة منذ كان ينام على ركبة والدته وهي تحكي له الأساطير والألغاز التي أتت بها من الريف المغربي، هو مثقف من عالمنا العربي ركزّ على أدب الطفل في كتاباته والتي استندت على دراسة التكوين الذاتي والنفسي للطفل، كتب الواقع المغربي حين كان يكتب سيرته الذاتية التي أصدرها في كتابين متباعدين زمنياً وكتب الواقع العربي والعالمي حين كان يكتب عن أسفاره، اشتغل على الوعي العربي وكتب في النقد أيضاً، لديه مشروع كامل تجاه الأجيال العربية، نال جائزة اليونيسكو وجوائز أخرى وشغل عدة مناصب ثقافية بين سويسرا والمغرب، هو رئيس تحرير مجلة «كتابات» التي تُعنى بالفكر والأدب والإبداع وهو مدير مجلة الطفل «سامي»، اعتمدت منظمات أوروبية كتاباته في التربية غير النظامية كما حاضر في عدد من الجامعات المغربية والعربية. حول تجربته كلها كان لنا هذا الحوار معه خلال مشاركته في لقاء ثقافي في بيروت. 

{ اشتغلت على الإنسان في حقول انتاجاتك الأدبية المتنوّعة بين أدب الأطفال وأدب السيرة وأدب الرحلة والنقد والبيبلوغرافيا، هو مشروع ممنهج بالكامل، تقول «أبني وطني»، هل ثمة أمل ببناء الإنسان داخل هذا الموت كله؟ وهل تتواجد البيئة العربية الحاضنة للاهتمامات الفكرية والنفسية للطفل والإنسان بشكل عام؟

- حالياً لا توجد هذه البيئة، لكنني في الرجوع الى تاريخ البشرية كيف عاشت أرى كيف أن تاريخها هو تاريخ الدموع والموت والقتل، أدرك أن الإنسان العربي في الأخير سيُبنى وسيخرج من هذا النفق المظلم لأنه لا يمكن أن يظل الإنسان رهين التخلف ورهين الصراعات الفارغة والفساد. لا بد أن تشرق الشمس كما يقولون كما في الدول المتقدمة، أنا أؤمن بحتمية التطوّر وحتمية الخروج من المآزق، في النهاية الصراعات المحتدمة تؤدي الى بوابة الحياة المليئة بالطموحات والآمال. 

{ هل من علاقة لطفولتك بهذا الشغف بعالم الطفل؟

- طبعاً لأن والدي كان بائعاً متجولاً في المدن وكان يتغيّب طيلة الأسبوع فكانت أمي الريفية وهنا أعني بالريفية منطقة الريف، لا أقصد البادية بالريف، عندنا منطقة في الشمال الشرقي منطقة تدعى الريف، حملت أمي معها الى مدينة فاس ثروة كبيرة من الأحاجي والألغاز والخرافات فكانت في الليل تطلب مني أن أنجز دروسي كي تحكي لي قصة أو لغزاً فكنت أجتهد لكي ألبّي طلبها فأنام على حجرها وتحكي لي الحكايات، فكانت هذه هي البذرة الأولى ولما كبرت كانت هناك مجلات تصلنا من لبنان وكنت أراسلها وأنشر فيها موضوعات عن فصل الربيع وحول الحيوانات وغير ذلك، ثم نمت وتطوّرت هذه الموهبة لأكتب قصصاً للأطفال وخصوصاً عندما أصبحت مدرّساً للأطفال وجدت أن القصة هي أفضل طريقة لتبليغ الدروس الى الأطفال.

{ هل أحدثت التكنولوجيا وإفرازاتها شرخاً بين الطفل العربي والكتاب، هل تخاف على الأطفال من العولمة؟

- لم تُحدث التكنولوجيا شيئاً بل نحن الذين أحدثنا لأنفسنا هذه السلبيات بواسطة التكنولوجيا، لأن التكنولوجيا أعطتنا وسيلة للتواصل ولكن كيف نستعملها هذا يعود إلينا وليس للتكنولوجيا، المشكلة هو في التخلّف في العالم العربي، الإنسان العربي يتوهّم أنه إذا انساق مع التكنولوجيا فإنه سينتقل الى الحضارة وأنه إذا استعجل على تربية ابنه على التكنولوجيا فإن ابنه سيصبح عبقرياً، الكثير من الأطفال يستعملون هذه الآلات بسرعة ولكن هذا غير مناسب لهم لأنها تسبّب لهم تخلفاً فيما بعد، يجب أن يمرّ الطفل بمراحل قبل أن يتعامل مع التكنولوجيا وحتى الذين اخترعوا التكنولوجيا كانوا يمنعون أبناءهم من استعمال الهواتف الذكية لأن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يعطّل الذكاء الطبيعي ولهذا ينبغي أن نقضي على هذه الظاهرة هذا بالإضافة الى الأضرار الجسمية مثل السرطان والعقد النفسية والانعزال والتوتر.

{ كتبت في أدب السيرة في العام 1987 «سفر في أنهار الذاكرة» وفي العام 2017 كتبت «أنا الموقع أسفله» واعتبرت أن الكتاب الثاني هو تتمة للأول وأن في الثاني توضيحاً لبعض الأحداث التي لم تكن تملك الجرأة لسردها حرفياً في الكتاب الأول، هل قال العربي بنجلون كل ما يريد قوله وبحرية؟ 

- بالنسبة للطفولة وللشباب قلت كل شيء كل ما حدث لي، لكن ما حدث في شيخوختي قلته في شكل قصص رمزية وأنا أستعد لأقوله بكل وضوح، لأن ما وقع لي في طفولتي كان علاقة بيني وبين أسرتي وأفراد مجتمعي لكن ما وقع في شيخوختي كان بيني وبين السلطة وسأوضح ذلك فيما بعد، لقد كتبت عن هذا في الجرائد لكن فيما بعد سيكون في دقة أكثر لأن السيرة الذاتية هي جزء من التأريخ عن الدولة، كيف تسير الدولة وكيف هو حال الواقع، الرواية والسيرة والقصة وأدب الرحلة هذه مكملات للتاريخ، التاريخ قد يكذب، بعض المؤرّخين يُباعون ويُشترون لكن الأديب لا يُباع ولا يُشترى لذلك لا يمكن أن تثقي في المؤرّخ، الأدباء بمعنى الكلمة لا يمكن أن يتخلوا عن الحقيقة في قصصهم ورواياتهم، إذا أردنا ان نكتب عن أي دولة ينبغي عن نقرأ أدبها. 

{ حدّثنا عن اعتماد عدد من المنظمات العالمية في أميركا وأوروبا انتاجاتك القصصية في التربية غير النظامية، كيف ترى هذا التفاعل مقارنة بالدول العربية؟

- تجربة التربية غير النظامية تجربة جيدة جداً، هناك جمعيات ثقافية تهتم بالمرأة ومنها من لها علاقات مع سفارات الدول الأوروبية فكانت تعقد معها اتفاقيات وكانت تدرّ على المغرب المليارات من اليورو فكان لهذه الجمعيات مقرّات وتجهزّها بآلات وبموظفين وكانت تقيم بأفخم الأوتيلات لقاءات مع النساء وأحياناً مع الرجال حول موضوع معيّن، ما هو دوري؟ أن أحضر وأستمع ولا أتكلم وأرى ما يروّج من آراء ومن خلال تلك الآراء أكتب قصة وأضمّنها تلك الآراء وأحاول أن أعالجه بأسلوب عربي صحيح وتجدونه عامياً يحمل وجهين ولا يخلط بينهما هو فصيح لكنه عامي أي لغة ثالثة بحيث يستطيع الجاهل والعارف أن يقرأ ويستفيد، حتى أن بعض المحامين كانوا يطلبون من هذه الكتب ليستفيدوا منها، وكان كل كتاب يصدر منه ما بين مئة ألف ومئتي ألف نسخة وتوزّع مجاناً، ويقرأها غالباً الأطفال في عمر 15-16 الذين لم يستطيعوا أن يتابعوا دراستهم، الأسلوب ليس صعباً والقصص ملونة بالصور ولدينا رسام وأنا أكتب النص، وإذا كان هناك كلمة صعبة ما، معنى صعبة أي أن للطفل صعبة، كنا نشرحها، كانت تجربة فريدة من نوعها، هي تجربة حدثت في المغرب ومرّت منها مصر ولكن ما آخذ عليه المصريين أنهم يميلون للعامية، علينا أن نتقن العربية الفصحى وليست الغامضة، بالنسبة للغرب في تعاملي مع الجمعيات الغربية أشترط على أي مستشار في أي دولة أن لا يفرض علي لغته أي أن نكتب باللغة العربية الفصيحة وثانياً أن لا يتدخل في أفكارنا وأن لا يوجّهنا توجيهاً معيناً حتى لا نكون أذلالاً ونجحنا في هذا الأمر، وربما لدينا في العام المقبل مشروع، تسألين ما فائدة ذلك للدول الاوروبية، الدول الأوروبية تشعر على المدى البعيد أن شعوبها ستنقرض لذلك تريد تعويض ذلك بشعوب تحمل نصيباً من الثقافة، هي تحتاج لمهاجرين يعملون كنادل مثلاً في مقهى لكنها تريد مهاجرين على مستوى من الوعي فنحن نلبّي هذا الطلب بحيث يكون مهاجراً يعترف بالقانون ويطبّق القانون ومحب للحياة وقادر على المعاشرة. 

{ في كتابه «تاريخ الأدب العربي» تجاهل الكاتب أحمد حسن الزيات الأدب المغربي وفعل ذلك طه حسين وإحسان عباس وغيرهم، لماذا هذا التجاهل، هل له علاقة أن أدب المغرب كان في نوع من العزلة ولم يكن معروفاً في الشرق تماماً في حين كان أدب الشرق معروفاً في المغرب، وكيف ترى الأمور الآن؟

- في الحقيقة أن المصريين لهم ميزة إيجابية وهي الاعتداد بالنفس ويعتبرون مصر أم الدنيا والباقي أولادها وأحفادها، ولهذا سيطرت هذه الفكرة على أكبر الكتّاب حتى أنهم يتحدّثون عن أنفسهم وينسون الآخرين، ربما هو تناسي أو تجاهل مقصود، لكني أعتقد أنه فقط عدم اطلاع على الأدب المغربي، نحن أيضاً كمغاربة مقصّرين في إيصال كتبنا، وتأخّرت كتب المغرب لتصل الى الشرق بسبب عدم التوزيع بينما دور النشر في الشرق توزّع في المغرب، وربما هذا سبّب بدفع الأدباء المغاربة للتأليف عن الأدب المغربي، لو لم يتجاهل المصريون الأدب المغربي لما كتب المغاربة عن أدبهم فهذا كان دافعا لعبدالله كنون فألّف مؤلفاً ضخماً عن الأدب المغربي، وهناك كتّاب آخرين كتبوا لمحات عن أدب المغرب ونماذج من شعرهم، لأن القصص والروايات ظهرت فيما بعد، كان الشعر وكانت المقامة والرحلة، أدب الرحلات كان مشهوراً وأشهر واحد هو ابن بطوطة. الآن أصبح المغرب يحتوي على أدب رفيع وانتشر عربياً هذا بفضل التواصل الايجابي بين المغرب وبين لبنان وسوريا والعراق، هم يذكرون مصر أكثر من لبنان في العلاقة مع المغرب، الأدباء المغاربة ارتبطوا كثيراً مع الأدباء في مصر، مثلاً محمد برادة تعلّم في مصر، علي ملي أيضاً الذي كان سفيراً للمغرب في مصر، وأيضاً عبد الوهاب الدكالي صاحب «مرسول الحب»، لهذا يذكرون مصر أكثر من لبنان. 

{ ثمة قطيعة أو مسافة ملحوظة بين الجيل التأسيسي والجيل الجديد في المجال الأدبي، ما هو سبب ذلك؟ 

- في الستينيات كان هناك جيل الرواد، الهزّات السياسية والاجتماعية التي وقعت في العالم العربي جعلت جيل الرواد يتراجع، منهم من صمت ومنهم من بقي يكتب ولكن بخجل، فظهر جيل آخر يمثّل هذه المرحلة الثانية لكنه يحترم الجيل السابق والجيل السابق لا يحاول أن يربط جسرًا مع الجيل الجديد لأنه يعتبر أنه أدّى واجبه ويشعر بالملل وأنه أعطى كل ما عنده ولم يفد شيئاً، الجيل الحاضر متهيّب من الجيل السابق ومنطلق في الكتابة لكنه لا يحاول أن يمدّ الجسور معه حتى لا يُتهم بالنكوص أو بالتخلف لأنه ينظر الى الجيل السابق بأنه مثّل مرحلة، وهذا موجود حتى بين القوى السياسية وبين الوزراء والنواب فهذه مسائل نفسية، هي موجودة أيضاً في أوروبا بحيث أن جيل مرحلة ما يذهب ويأتي جيل آخر ولا تكون له علاقة بالآخر وهذا يدخل في إطار التطور.

حاورته: دارين حوماني