بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 كانون الثاني 2024 12:00ص الفنان حسين ماضي بين عتمة الغياب والحضور التشكيلي الحيّ

حجم الخط
عندما يعزف «حسين ماضي» على نوتات اللون القوي تحيا الخطوط التي تترجم قيمة الرؤية في الحياة، وعندما يسطع الضوء الفني تنخفض عتمة الغياب الحقيقي في رحيل دنيوي رغم البقاء الفني في روح المعنى الساكن في لوحاته بأبعادها كافة. والحضور التشكيلي الحي. فلمساته هي الهوية الإدراكية لفكر تشكيلي ترك فيه فلسفته في حكم الذوق الذي يرتقي بالإنسان جمالياً، ويجعله في أنقى مراحل الحياة، خاصة تلك التي تفتح التأملات على مصراعيها وتدخلنا في عالم من الشعور والأحاسيس هذا هو الفنان حسين ماضي الغني بغموضه الفني وقوته الحركية في التمازج والانسجام مع عالم المادة واللون...
متعة بصرية حسّية ملموسة ومحسوسة في أعماله ومدروسة بتقنية فنية لها امتدادها وزواياها البيئية، والجمالية الخاصة بمساحة كل لوحة وفضاءاتها الزمانية والمكانية، ومقاسها وقدرتها على الاحتواء الهندسي، والتفاصيل الزخرفية المتينة هارمونيا، مما يوحي بأبعاد بانورامية ملونة تتخطّى اللوحة لنبحر معها خياليا، ونبني الواقع، وكأن رسوماته ما هي إلّا تركيبات عضلية لأجساد يفكّكها ويركّبها تقنيا، ومن ثم يعيد ترتيبها وفقا لمعطيات هندسية ورقمية لها ازدواجيتها، أو بالأحرى ليمنح الرؤية ديناميكية بسيطة للمتأمل، لكنها معقّدة رياضيا، لأنها مبنية على الكسور أو الاختزال أو ما يشبه اللغة المسمارية، ولكن بأشكال مختلفة من الأحجام، وكأن اللغة المرئية عند «حسين ماضي» ما هي إلّا فن أو لعبة ورقية تمتلك خفة أنامل، تجعله يتقنها حركيا إبداعياً وفنيا، فتجريده المبسّط للأشكال يمنح الهوية للخطوط الحادة الرفيعة والعريضة، لأنه يعتمد عليها كأساس فني له بنيته التركيبية، وتكعيبيته الجمالية الصارمة في نظمها، وكأنه يمارس ترتيب مفرداته في فضاءات تعبيرية موسيقية، تبث كوميديتها في نفس المتلقّي، فيشعر ببساطة الحركة في جسم الإنسان الحراري، وفي الكائنات الأخرى الشبيهة بالأرقام الصحيحة والمركبة، وكأن الإنسان ما هو إلّا لغة بشرية تتماسك وتنفصل، تتنافر وتنسجم لها قيمتها الصحيحة والمركبة.
مفاهيم رياضية اعتمد عليها «حسين ماضي» فنيا لتقديم ما هو مميّز تقنياً وإبداعيا، فالجموعات الحركية المركبة هندسيا على سطح مستوٍ، تمتلك صلابة رؤية متينة ذات مميزات جريئة تصويريا، وكأنها مشحونة بسرعة ألوان تكنيكية، تختلط بابتكارات بصرية لها ايقاعها الموسيقي، أو ما يشبه موسيقى الـ«بوب ارت»، ومن منظور تكعيبي يبدأ من خط حاد وضوء له زواياه ونقاطه المحورية، وينتهي بلون تجريدي يحاكي قوة المشاعر وجمالها النابض بالفن والفلسفة والحياة. يمتلك الفنان «حسين ماضي» مهارة حسابية رياضية لها أعدادها التراتبية في أكثر من لوحة، وكأنه يكتب لغة أبجدية فنية مبنية على العدد وقيمته الجمالية، من حيث الكثافة والاختزال، الزيادة والنقصان، الوجود والنظام الحياتي المبني على القيمة التكوينية، والايقاعات الحسية المتوالفة مع الحقيقة، كالانسجام بين العقل والعاطفة، وبين الاستنساخ والتشابه، والتماثل والتطابق والتجانس، والتناغم، والتنافر الخ..
إن الخطوط الحادّة في الأشكال التكعيبية أو التفكيكية البنائية داخل لوحات «حسين ماضي»،  ما هي إلّا تجريد هندسي يجعله يختزل من التعابير، ليضيفها إلى اللون، وكأنه يرى الحقيقة الكونية تتجلى أمامه من خلال الرقم واحد الصحيح، والأرقام الاخرى، أو من خلال الأحرف الأبجدية وهندستها الجمالية الشبيهة بحركتها قوام الإنسان، والنسبة الذهبية المرتبطة بشكله، وحجمه وكينونته البشرية،  لينطلق مع الفكر نحو غياهب الخلق، وهذا ما يجعله يتمتع بمرونة فنية بسيطة جدا ومعقدة في آن، فالسر بمقاييسه الجبرية والأعداد الصحيحة، والكسور وما لها من دلالات إيحائية في أعماله التي تعيد أساس الشكل إلى الرقم (1) أو الحرف (أ) ونقاطه الأساسية في الرسم الكتابي أو الخط العامودي والأفقي الذي يقسم الدائرة الى نصفين، وهذا ما يميّز أعماله لاستحواذها على الذوق الشرقي، والمضمون الهندسي والحسابي، والأسلوب الزخرفي الملون، وكأن الشكل المرسوم أو المنحوت أو المقصوص يشبه لعبة (طي الورقة)، وما تحتاجه من مرونة وليونة، وخفة، ونظرة حادّة، وإدراك لقيمة الخط وقدرته على رسم الشكل مع إظهار المقاييس الفنية بجودة عالية، وبخطوط بسيطة لها فضاءاتها التشكيلية والتخيّلية، مما يمنح لغته البصرية النغمة الحياتية، والهندسة المرئية المرتبطة بتكوينات متوالفة مع بعضها البعض.
اسقاطات انسيابية على الأشكال وعلاقتها بالفراغ والضوء، ليكبح جموح اللون الأساسي وسطوعه مع القدرة على اجراء تعديلات بصرية متعاكسة الخطوط اللونية، والزاويا بغض النظر عن استقلالية كل حجم، ووفق اساليب متعددة سعى من خلالها إلى بسط المفاهيم أمام المتلقي، ليدرك العقل الباطن أهمية الحواس في إدراك المتناقضات الحسية بين الداخل والخارج، واللون الحار، والبارد، والضوء، والعتمة، والظل، والفراغ والانسجام بين الوحدات الفنية ودلالاتها السيكولوجية والحركية محاولا «حسين ماضي» تقديم لوحة قنية مستقلة بذاتها، ليبرهن أن للفن جمالية لها عالمها الخاص والمرن من رسم ونحت، وكولاج، وما الى ذلك من أنواع مختلفة لكنها تبقى ضمن عالم واحد هو الفن بذاته.
تصورات عقلانية ذات ألوان عاطفية دقيقة منطقيا، وجوهرية في حركتها المتماهية، وتكرارها الجيومتري مظهرا الأحجام من خلال تناقضات الألوان، ودرجاتها الطولية ومن حيث تنافرها وتضادها ملتزما بمبدأ التحليل الفراغي، والتفكيك المنطقي لخطوط الطول والعرض، ليختزل الألوان بالأشكال وبعكس ذلك. بينما يقلل من أهمية الخلفية تاركا للتكعيبية التركيبية وزواياها المسطحة أن تتوازن في لوحاته، ولكن ضمن مساحات نظم تكويتها بأسلوبه التصويري الخاص القادر على إعادة البناء والترتيب في كل مرة يتجول البصر بين أشكاله وأحجامه، وفراغاته مستمتعا بالألوان البرّاقة، الصافية والممتعة ضوئيا وبصريا، لأن «حسين ماضي» يدرك أهمية الخلق والتكوين الفني المعتمد على النظام الكوني. رحمه الله وأسكنه جناته...

شهادات في رحيله

السنيورة:
اعتبر الرئيس فؤاد السنيورة أنَّ لبنان والوطن العربي، وجمهور المحبين للفن والإبداع أينما كان، خسروا برحيل الفنان المبدع والمتألّق حسين ماضي، أحد أشهر الفنانين في الشرق الأوسط والعالم العربي، وهي خسارة فادحة، وذلك ولأنَّه برحيله يترك فراغاً كبيراً في عالم الفن والرسم والنحت.
أضاف الرئيس السنيورة: أنَّ أعمال حسين ماضي الفنية تقارب أعمال وابداعات كبار الفنانين في العالم، ولا تقلّ عنها. بل قد تكون أعماله في مقدمة ابداعات الرسامين والفنانين العالميين، وهي التي ستخلّد ذكراه على مدى عقود عديدة قادمة.
نسأل الله تعالى أن يسبغ عليه فيضاً من غفرانه ورحماته، وأن يسكنه الفسيح جناته.
باسمة بطولي:
كلما فقدنا زميلاً فقدنا قسماً من ذواتنا. وحسين ماضي زميل من الطليعيين الذي يؤلمنا فقدانه. لا شك أن له بصمته في عالم الفن التشكيلي ولا شك أنه كان قدوة للآخرين الذين تأثروا به، وحاولوا منازلته في عقر داره يبقى حسين ماضي المحطة التشكيلية التي لا يمكن نسيانها أو المرور بها مرور الكرام. ويبقى علماً من أعلام هذا الفن يُحترم ولا يُنسى. 
د. نزار ضاهر:
خسارة أي فنان أو أي مثقف في بلدنا هو عبارة عن تساقط أوراق الشجر لخريف آخر ولربيع غير آت. وإن كان من باب اليأس أقول هذا الكلام على أمل المستقبل الأفضل. على الصعيد الفني والثقافي في بلدنا. إن استمرت الظروف على ما هي عليه اليوم. ألف رحمة على روح الفنان حسين ماضي. يرحمه الله والعالم الذي رحل إليه هو العالم الأفضل والسلام الأبدي الروحي هناك وليس هنا.
الفنان المصري أحمد الجنايني:
يعتبر حسين ماضي من الجيل الذي أخذ على عاتقه تدشين جسر للإبداع تخطو عليه الثقافة التشكيلية اللبنانية والعربية فهو رغم تخرّجه في الأكاديمية اللبنانية ببيروت عام ١٩٦٢ سافر إلى إيطاليا للفترة من ١٩٧٣ حتى ١٩٨٦ وقدّم بحثا مهما حول التراث الثقافي العربي وربما هذا ما جعله كفنان يمارس الرسم والنحت والتصوير يدرك تلك العلاقة الوطيدة بين الخط وقيمته وكيف يتم تطويعه نحتاً مجسّما أو رسما لأشكال تأخذ هويتها وماهيتها من وعيه لقيمة الإبداعية التي يتكئ عليها ومن هذا المفهوم أنتج عملا إبداعيا في تماشج ومشتركاً مع الشاعر عباس بيضون صدر في كتاب (حسين ماضي لاعب أشكال) أسّس فيه لتيمته الإبداعية التي حرّرها من قيود اللغة الأدبية وهذا ما منحه القدرة على مواجهة ما سمي بالحروفية الإسلامية واعتبرها ماضي محض محاكاه لما دفعنا إليه الغرب. لأن ماضي يرى أن مفهوم الحروفية يختلف تماما باعتبار أنها يجب أن تعتمد مبدأ تكوين الكون وهي صلب الفلسفة الإسلامية 
رحم الله حسين ماضي الذي أثرى الحياة الإبداعية فنانا ومفكرا ونقيبا للفنانين.
كلود عبيد:
هذه القامة الفنية التي أغنت الفن والإبداع اللبناني والعربي والعالمي. جمع بأعماله المختلفة التراث العربي الإسلامي والحداثة، وبمواد مختلفة من القماش والخشب والمعادن الذي طوّعها حسب رؤيته وبسًطها على طريقته الخاصة. إنه يرسم ما يريد وليس ما يشاهده، قيل عنه بيكاسو العرب، هذا الفنان سيترك فراغاً هو من جمع روح الشرق والغرب.
الفنَ هو واجهة الوطن ومرآة للثقافة. أعمال الفنان الكبيرحسين ماضي تروي قصة شبعا الجنوبية الصامدة المعطاءي مسقط رأسه. رحل الفنان حسين ماضي تاركا إرثا من الأعمال الفنية (لوحات ومنحوتات) ستخلد ذكراه. 
بيير كرم:
الفنان حسين ماضي لا يمكنه أن يرحل، فاسمه محفوراً عميقاً في روح الفن التشكيلي اللبناني والعربي. أذكر بأني التقيته في افتتاح أحد أعمالي، نصب للأديب توفيق عواد في بيروت، وكان اسم هذا المارد العملاق في ريشته وفي منحوتاته المعدنية وشهرته قد سبقوه إلى حسين ماضي خطوطه كانت عبارة عن سيوف عربية يختصر بها كل مواضيعه مهما كانت متنوعة وأهمها المرأة، وألوانه الماسية القوية والواضحة تحدد المساحات بكل ثقة وعنفوان. حسين ماضي النحات لم يكن أقل مقدرة من حسين ماضي الرسام، طوع المعدن بين يديه وشكل منه جميع نسائه والطيور والثور، أعماله النحتية هي اختزال للأحجام بخطوط رشيقة ومساحات تمتص الضوء وتكسره لتظهر الشكل الذي يريده الفنان، وتتميز أعمال حسين ماضي بالاتقان والدقة والحرفية العالية، رحمه الله ويبقى ضوء ساطع في سماء الفن التشكيلي اللبناني والعربي.
د. فضل زيادة:
تعرفتُ إلى الصديق الفنان حسين ماضي في معرضه الأول الذي أقامه في السبعينيات من القرن الماضي في غاليري كونتاكت لصاحبه «وضاح فارس» ونشأ حواراً معه عندما عرف أنني من طرابلس ومن بيت زيادة سألني عن المرحوم صديق له وهو ابن عمي الدكتور معن زيادة، وروى لي أنه أنهى دراسته الثانوية في ثانوية مار إلياس في ميناء طرابلس. لأن والده كان يعمل في طرابلس حيث انتقلت العائلة من شبعا إلى طرابلس وأقام فترة طويلة وكان يتردد على طرابلس خاصة الميناء عند صديق له حداد فرنجي حيث نفذ عنده العديد من الأعمال النحتية الحديد في ذلك المصنع. ثم التقينا مرة ثانية في منتصف السبعينات عندما بدأنا التدريس سوياً في معهد الفنون الجميلة الفرع الأول، وكنا نلتقي في نفس القسم، قسم الهندسة الداخلية وقسم الهندسة المعمارية وتوطدت العلاقة معه عندما أصبح رئيساً لجمعية الفنانين اللبنانيين في أواخر السبعينات وكنت أنا عضو في الهيئة الإدارية، وكان نشيطاً من حيث إقامة المعارض العديدة وشارك في العديد من البنيالات المحلية والعالمية. كنا نلتقي في جمعية الفنانين أو متحف سرسق كان الحوار معه يسترسل في تأثره في الفنون العربية والإسلامية والفنون الفرعونية والفنون الحرفية. لذلك نجد في أعماله مزيجاً من اللوحة الغنية بالمواضيع التراثية الشرقية، وعندما قدمت أطروحتي حول أثر الفن الإسلامي على الفنانين اللبنانيين المعاصرين تناولت أعماله في أطروحتي عندما ناقشتها في باريس وركزت على التأثر الشرقي في أعماله. إلى جانب ذلك كان يتردد كثيراً على المعارض ونلتقي في المناسبات الفنية. كان قليل الكلام وغزير الإنتاج. وأعماله مميزة بأسلوبه الخاص وبشخصيته المميزة التي كان يتمتع بها. أقمنا له في جامعة البلمند في أواخر التسعينات معرضاً لأعماله الفنية من رسم ونحت. يمتلك مزايا الفنان المثالي وأطلقنا عليه لقب بيكاسو العرب أنا والزميلة سهام مغربي. كان محبوباً من قبل طلابه وجدي في العمل الفني رحمه الله.كما أنه كان صديقاً للفنان محمد غالب. 
باسكال مسعود:
كان أستاذاً جادّاً معطاءً، رصيناً، مخلصاً لرسالته وللفن إلى أقصى الدرجات، وصولاً إلى يوم وفاته. فقدانه خسارة في هذا الوطن، ففنَه هو عبق وأريج هذا الزمن زمن الكبار يغيب ولكنه بقي في الأعمال الخالدة.
كارولين صليبا:
حسين ماضي شكراً لك من قلب لبنان. لقد أعطيتنا الكثير من الإبداع والخلق. أبهرت العالم بأسره بفنك أيها الفنان العظيم. لا وداع بيننا.. ولا موت. أنت موجود دائماً معنا.
المرتضى:
نعى وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى الفنان التشكيلي حسين ماضي الذي وافته المنية اليوم وقال: «كأن ريشته قوس قزح بما هي انفعال اللون مع تموجات الطبيعة».
وتابع: «أما لوحاته فكل واحدة منها مرآتان متقابلتان عن ذاته وعن الأرض، تنعكس عليهما لحظات تناغم بين الإنسان ومحيطه، هي ذروة الحالة الإبداعية التي تجدد الوجود».
وأضاف: «الآن سقطت من اللوحة تاؤها ومضى حسين ماضي على لوح خشبي إلى شبعا الأرض التي عشق، ورسم البطولة فيها على شكل زهر وشجر ونهر، معمقا انتماء الفن إلى قضية الحرية».
وختم: «حسين ماضي سيبقى اسمه محفورا على لوح الثقافة الخالدة. لنفسه الرحمة ولعائلته وزملائه ومقدري فنه وأهالي بلدته شبعا الأبية الصبر والسلوان».