بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 كانون الثاني 2024 12:00ص الفنانة التشكيلية بسمة بيروتي لـ«اللواء»: «كان مشروع التخرّج هو الحافز المهم لظهور أسلوبي في فن الزخرفة المطوّر»

حجم الخط
تطوّر أسلوب الفنانة «بسمة بيروتي» من خلال رحلتها مع عالم الفن الطويلة والمليئة بمختلف أنواع الفنون، حيث أنها اكتسبت منها خُبُرات كافية لتحديد أسلوبها أو طريقتها في التعبير لتوصيل رسالتها في الفن. ومما لفت انتباهها في هذه المسيرة هو الفن الإسلامي الزخرفي الذي يدعم تخصصها في الماجستير وهو فن جداري. فعلى مرِّ الزمن توالت الإنجازات الجمالية في فن الفسيفساء والفريسك الزخرفي خاصة.
إنَ لكل مدرسة فنية أسلوبها الذي يفرّقها عن غيرها من المدارس، منهم من مزج بين أسلوب المدارس ليحقق لنفسه بصمة فنية مختلفة، ومنهم من كان فريدا في أسلوبه منذ البداية، ليكون مختلفا عن غيره من فناني زمانه، هذا ما لمسناه في الكثير من أعمال الأساتذة في الجامعات المتخصصة في الفن، فلكل فنان بصمته وأسلوبه المعروف بهما. إنّ التنوع الزخرفي الذي يعتمد على النباتات والأشكال الهندسية المتميّزة ساهم في توسيع معرفتها، ومن خلال مشاهدتها لأعمال الفنانين الكبار ومزجهم بين الفن الإسلامي والخط العربي كان لها محطات متنوعة وشعور بالحماسة الفنية المبدعة. تطورت رؤيتها عبر السنين وتطور أسلوبها بالزخرفة ووصلت إلى حب الزخرفة ثلاثية الأبعاد عن طريق النحت على الفلين. هكذا كانت مراحل تطور أسلوبها الفني ومحاولتها لاكتشاف الذات من خلال الفن التشكيلي وصولا الى النحت الجفصيني الذي كان مشروعها للتخرّج من الجامعة في الماجستير. ومعها كان هذا الحوار:
{ لماذا البحر والمادة بين الفلين والجفصين وصعوبة هذا النوع في مشروع تخرّج؟
- كان مشروع التخرّج هو الحافز المهم لظهور أسلوبي في فن الزخرفة المطوّر، وفي نفس الوقت كان يحضن الفن المفاهيمي، وهو فن الفكرة. ومن هنا خرج الفن الزخرفي ثلاثي الابعاد الذي يحمل رسالة وفكرة خاصة به، فهو لم يكن سهلا، ولكن كان هادفا.
اختياري للفكرة كان عن خفايا النفس البشرية، فلكل منا حكايا وخفايا نخفيها عن بعضنا ومكنونات ندفنها في أعماقنا، ومن هنا قمت بتحديد وجه المقاربة بين البحر وأعماق النفس.
عندما يأتي الليل تظهر معظم أفكارنا وأحلامنا اليقظة للعلن، إضافة لمشاعرنا الدفينة من خوف وهم وفرح وحزن ورومانسية، فعلى ضوء القمر تتخبط أفكارنا كما تتخبط أمواج البحر لتُخرج ما في جوفها وتحرك أعماقها من نباتات وكنوز دفينة، هنا يكمن وجه الشبه والمقاربة.
إن النفس البشرية تحمل الكثير من المفاجآت منها ما هو مرعب ومنها ما هو مفرح ومنها أحلام وأمنيات لم تتحقق بعد.
مشروع تخرّج الماجيستير يحمل في طيّاته المنطق والمجهود والفكرة الهادفة والعمل الفني المتميّز، واختياري لمادة الفلين كان لخفّة وزنه، فالبحر يحمل الأوزان الثقيلة فلا نشعر بوزننا في الماء، فهو يتحمّل الكثير لكن من دون أن يرينا ثقل حمله، كما أننا نحمل أفكارنا المثقلة بالهموم والمليئة بالمتاهات، ولا أحد ممن حولنا يشعر بوجودها فينا، فالنفس تحمل وتتحمّل الكثير من المكنونات.
وقد غلّفت الفلين بمادة جفصينية تسمّى «قشرة»، لحفظ الفلين من التلف ولإعطائه مظهر ولون الجفصين المائل الى الأبيض. إن مادة الجص هي وسيلة للتعبير عما تحجّر في داخلنا من جميع أنواع المشاعر، ويدلّ على مرور الزمن مما يجعل النظر في هذه اللوحة يبهر المشاهد، ويعبّر عن تلك اللحظة التي صوّرناها وجمّدناها. وإن اطّلعنا على مساحة الجدارية في المشروع نراها ضخمة حوالي 3,8 متر عرضا و1,72 متر طولا لنرمز إلى كبر حجم البحر وعمق ما تحويه النفس، هذه هي مكنونات النفس باختصار.
{ هل من تحدّيات في بصريات أرادت بسمة بيروتي إبرازها من خلال هذه الجدارية؟
- نعم، أرى أنني من خلال هذا العمل أظهرت ما يمكن إظهاره من تحديات بصرية للمشاهد، حيث إنني حاولت إظهار حركة النباتات في عمق البحر رغم صعوبة ذلك في النحت، فعندما نرى منحوتة نراها ساكنة غير متحركة، وإن حاولنا أن نعطي المشاهد الإيحاء بحركتها فذلك صعب، أما في العمل نراها جامدة، ولكن تشير إلى الحركة مع تحرك المياه، فقد كانت النباتات ملتوية وغير نافرة كليا، أما مقارنة بما هو خارج المياه فكان أكثر بروزاً ووضوحاً.
{ تميل أناملك الى رسومات الأطفال، لمست ذلك من خربشات رايتها على أوراقك، هل سنشهد رسومات أطفال لبسمة بيروتي مستقبلا؟
- منذ نعومة أظافري وأنا أقلّد رسومات للشخصيات الكرتونية، مما دفعني إلى تخيّل قصص وأشكال لشخصيات كرتونية جديدة لأحيكها بقلمي وألواني.
كان لي تجارب سابقة بتنفيذ شخصيات كرتونية وتعليم كيفية تأليفها للأطفال في المدرسة بما انني مدرسة لمادة التربية الفنية، وهذا يدفع الطالب لاكتشاف وتأليف القصص من نبع خياله.
وكان لي تجربة سابقة لتنفيذ رسومات لقصة أطفال بعنوان «HIDE AND SEEK» فيها عبرة وترفيه.
وأتمنى مستقبلًا أن أكرر التجربة بمزيد من الخبرة والدعم.
{ هل يمكن التحرر من الأفكار السلبية من خلال المادة التي اخترتها في صنع الجدارية؟ ومتى تفجّر بسمة بيروتي رومانسيتها في الفن؟
- هناك الكثير من البحوث عن كيفية العلاج بالفن. الفن هو ليس فقط للزينة، بل قد يكون له تأثير نفسي ملحوظ.
الفنان قد يرسم ما يجول في خاطره من غير أن يدري، كما أن المشاهد يقرأ العمل على حسب ما يكمن في نفسه، لذا فإن الفن والنفس يمشيان في ممر واحد.
اختياري للفكرة ثم للمواد المستخدمة كان للمس ما في داخل المشاهد، كما أنني استخدمت الموسيقى المصاحبة في العمل لنفس الهدف المذكور وهو الشعور بهدوء النفس والولوج إلى أعماق مكنونات المتلقي.
إن الرومانسية تدخل في صلب عملي للتخرّج فمن المشاعر أيضا الرومانسية والحب التي لطالما تشتعل في الليل، ذكريات لا تُنسى أو حاضر مع القمر، كلما زادت الأعمال كلما تفجّر في داخلي المزيد من الأفكار الرومانسية واللارومانسية منها الهادئة ومنها الصاخبة بعبق الواقع.
{ اللون الأبيض وخطورة ما هو بارز في الجدارية، ألم يسبب لك القلق في ذلك؟ ولماذا الدائرة غالبا في الجدارية؟
- قلقت في البداية من عدم استطاعتي أن أوصل الرسالة والفكرة التي قصدتها في العمل بالعموم، لصعوبة التنفيذ، ولكن اللون الأبيض كان يساعدني على تأكيد فكرة التحجير التي تخص دعم فكرة مرور الزمن وثبوت اللحظة، أما عن بروز الأشكال في الجدار فما كان يقلقني فيه ألا أنجح في إيصال إيحاء وجود الماء الذي هو سائل بمنحوتة صخرية جامدة.
واستخدامي للشكل الدائري أو شكل دوامة البحر يدلّ على دوامة النفس ومتاهتها والحيرة النفسية الواضحة في إتمام القرارات الواقعية الدنيوية البحتة.
نعم كان هناك خطورة كبيرة، ولكن تم الحمد للّه تفاديها وكانت النتيجة مرضية للجنة المؤلفة من أقدم وأبرز دكاترة الجامعة في كلية الفنون والعمارة الفرع الثالث، فقد نلت تقدير امتياز بفضل الله.
هكذا نفكر وهكذا نعيش في عتمتنا بصمت رغم الظروف ورغم الوجع نفرح ونتأمل ونحب ونحلم بغدٍ أفضل.