بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 حزيران 2023 12:00ص الكلمة هي البُعد الرابع في رواية «ماء حيّ» لكلاريس ليسبكتور

حجم الخط
أذهلت النسبية الكاتبة البرازيلية «كلاريس ليسبكتور» فاهتمت بالبُعد الرابع المصاحب للغة التشكيل في كتابها الصادر عن «دار الآداب» «ماء حي». لكن التشكيل عبر الكلمة وهو الأصعب، لأن للكلمة أبعادها المختلفة عن الخط والشكل واللون والمساحة، وحتى الفضاءات الأدبية الأخرى المختلفة في أبعادها الفلسفية، معتمدة على كل ما هو حي من خلال فكرة النسبية. فمن الماء يولد كل شيء حي، ومن الكلمة تولد الأبعاد التي تسبح في فضاءات الكينونة التي تحاول فيها أن تكتب كتصميم قبل الرسم «ما أقوله هو الحاضر الصافي وهذا الكتاب خط مستقيم في الفضاء» فالهندسة في الحروف وتشكيلها هي لعبة كونية تتضح كلما أدركنا قيمة الخط وخروجه من الزمان والمكان، وإذا سلمنا جدلا أن الكلمة هي الفعل الحي الذي تولد منه الأشياء، فهذا يعني بالنسبة لـ ليسبكتور أن الجسد يتشكّل تبعا للزمان الذي هو فيه، ففي كل بُعد حال كما لو أنها تقول أن الإنسان هو كلمة الله، والكلمة لها الضوء الخاص بها كما الإنسان أو الروح أو الهالة النورانية التي تحيط بالجسد من خلال طبقات الألوان المتعددة»، وأكاد أتحرر من هيمنة الألوان» فالخروج من الجسد عبر الفكر والتأمل هو تحرر من كل الضغوط الحياتية التي تصبح كالرسوم التي تمرّ في الخيال، وبغموض اللحظة التي تمرّ في الذهن الذي يتخبط، ولكن العقل يرى، فسلسلة الأحداث التي نعيشها عبر الأجساد التي تلتقطها الأرض هي تهيؤات بالنسبة لكلاريس، لأن للماء الحي بعده الرابع الذي تشكّل منه نقطة نقطة، فالخط المستقيم في منظومتها هو افتقار للمعنى، والإستدارة في المصفوفة الحياتية هي مجموعة من أفعال أو بالأصح كما تحوّلها الى جيومتريات من كلمات كالأجسام تعيش في الأبعاد، كخطوط يتم تشكيلها بنظام مستتر لا يصيبه الإختلال الذي قد يصيب العقل عند التفكير بالإبعاد التي لم تُكتشف بعد. فالإنسان مخلوق غير مرئي في الأبعاد موجود ملموس على الخط المستقيم متوزع، كنقاط الماء التي تحيا من الظلمة والنور، وهذه فلسفة اينشتاينية ان صحّ لي قول ذلك. فهي تحاول تشكيل نظرية النسبية من خلال الكلمات، لتكشف للجسد الثلاثي الأبعاد الذي يقرأ كلماتها أنها موجودة في الأبعاد الثنائية، وتخترق المستويات الحياتية من خلال كلمتها التي تشبه الماء الحي «هذا النص الذي أهبه لك لا يجوز النظر إليه عن كثب:إنه يكسب استدارته الخفية - غير المرئية - سابقاً». فهل يمكن للفلسفات الناتجة عن معادلات فيزيائية أن تؤيد مفهوم أبعاد الكلمة وقوتها في العوالم اللانهائية؟ وهل تخشى الإله وصمته من شدّة تأمّلها الذاتي في كتاب هو ماء حي بالنسبة لها؟ وهل التأمل في اللاشيء هو صلاة كونية واعية لما هو موجود؟ 
عمدت كلاريس ليسبكتور إلى تحويل شعورها الى كلمة، وبالتالي إلى ولادات متكررة بالنسبة لها، فقول الحقيقة التي نعرفها يحتاج لشجاعة، والشجاعة تحتاج لأبعاد لا يمكن أن نستنكرها في النسبية التي تعمّق بها آنشتاين، والتي تؤمن بها، وتقودنا إلى الموجود تلقائيا أو الى الذات الأولى الشبيهة بالماء الذي يولد منه كل شيء حي، وبالتالي فالنقاط في الأبعاد هي تكرار من الذات «فحينما أستغرب لوحة، حينئذ تكون لوحة، وعندما أستغرب كلمة عندئذ تكون قد توصلت إلى المعنى. وعندما أستغرب الحياة، حينها تبدأ الحياة» فمقدار الصوت هو اهتزاز المعنى في فضاءات الكلمة وجمالية الخلق الفعلي المتخيّل هو الهالة التي تنبثق من كلمة تحمل في طياتها معنى الوجود وطبقا لقولها «ما أكتبه لك يستمر.. وأنا فقط مسّني السّحر» فهذا يعني أن استمراريتها في الحياة عبر الكلمة وهي ماء حي فعلي من وجود أزلي لا يمكن تفسيره مهما حاول العقل البشري بمحدودية طاقته أن يكتشف ماهيته. فالنسبية في جوهرها لها معطيات الكلمة التي تتجسّد في كل شيء فتمنحه المعنى وبالتالي تمنحه الشكل الذي يحتاجه في كل بُعد يحيا فيه. فهل الإستيلاء على البُعد الرابع هو الخروج من بوابة الحياة والدخول الى بوابة حياة أخرى من خلال الكلمة؟