بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الثاني 2019 12:00ص الموسيقى عند العرب

حجم الخط
الموسيقى من الفنون الجميلة ومن أهم ما يعبّر عن نفسانية الشعب وطبائعه، ويرسم لنا صور شعوره الناطقة بمباهج وآلام، وأفراح وأحزان، وهي لغة العواطف التي يشترك فيها جميع أمم العالم على اختلاف أجناسها وطبقاتها، بل هي الفن الوحيد الذي يطرب له الحيوان الأعجم وحتى النبت كما أثبت العلم.

الفنون الجميلة هي كل ما ترتاح إليه النفس لجماله ورونقه لا لمنفعته وقيمته المادية. والفنون التي تدخل تحت هذه التسمية قسمان: الأوّل ما يُرى ويُمس كالحفر والتصوير والنحت والتمثيل، والآخر ما لا يُمس ولا يُرى كالشعر والموسيقى. والأمم التي تمدّنت قبل العرب اشتغلت بهذه الفنون على تفاوت في اتقانها كاليونان والرومان، فانهم نحتوا التماثيل وصوّروا الصور، ومثلوا الحوادث ونظموا الشعر وضبطوا الألحان.

أما الشعر والموسيقى، فالعرب أشدّ الأمم انطباعاً عليهما واتقاناً لهما، وأكثرهم نظماً وأدقّهم نغماً فقد فاقوا سواهم في الموسيقى، فوضعوا الألحان واخترعوا الآلات المطربة واتقنوا صنعها، وكان للموسيقى عندهم شأن كبير. والمشهور ان عرب الجاهلية كان عندهم من الألحان شيء يوافق سذاجتهم وخشونة الجاهلية، فلما امتدّ الفتح العربي شمالاً واختلط العرب بالروم والهنود والفرس، اقتبسوا الموسيقى من تلك الأمم قبل سائر العلوم الدخيلة، ودرسوها وأصبحت عندهم علماً بأصول. وقد جمعوا بين الألحان كلها وألّفوا موسيقى خاصة بلغت درجة حسنة من الاتقان حتى انهم ادخلوا في فن الموسيقى ألحاناً لم تكن معروفة من قبل، فتدرّجوا من الحُداء الذي هو أصل الغناء أيام الجاهلية، إلى ما ابتكروه من الصوت المركب، ثم تجزئة الصوت وما يلازمه من ضبط الوزن واللحن، وما يلحق به من المدّات والليات والعطفات.

انحصر فن الموسيقى في عهد بني أمية والعباسيين والرشيديين في غناء القصائد والمساوقة بالعود والطُنبور وبالدف وغيرها، ولكن المغنين افتنوا في صناعاتهم من طول ما تنافسوا فيها وتناقضوا وتنافروا، وقصُرت هممهم عن الإبداع فمالوا إلى النوع الرقيق الذي يؤثّر في مجالسهم، فكانت الألحان مقتصرة على التأوّهات والأنين والنواح. وانشئت مدارس عبثت بقواعد الفن القديم وحذفت منه الكثير فأمسى المغنون قليلي الصنعة. وبقيت بعض تلك المدارس متمسّكة بالقديم إلى عهد الاندلسيين الذي عرفت فيه الموشحات فابتدعوا فيها ما شاءوا أن يبتدعوا، ثم جمدوا في مكانهم فلم تتقدّم موسيقاهم شيئاً. والتاريخ يسوق لنا ان موسيقى الاسبان ارتقت ارتقاء حسناً قبل سقوط غرناطة وأفول نجم العرب في الاندلس وما السبب يا ترى؟

مردّ هذا إلى ان الافرنج اعتمدوا في التنغيم التأليف الموسيقي والتأليف الجمعي وتدوين ألحانهم بالضوابط الموسيقية. وما يؤسف له ان العرب لم يدوّنوا تلاحينهم ولا اعتمدوا التأليف الجمعي، فراحوا يتناقلون الأغاني والأناشيد بالمطارحة ولهذا جمدت الموسيقى العربية ولم يحصل فيها تبديل أو تغيير أو تجديد، إلى أن انتقلت إلى الترك فعملوا البشرف، وعادت إلى الشام فاقبلوا عليها وأعادوا إليها شيئاً من الأغاني القديمة، ثم علق بها المصريون فاستحدثوا فيها التقاسيم والحقوا بالموسيقى العربية النهاوند والحجاز كار والعجم، تلك النغمات الخفيفة المحمل على السمع...

جمع العرب بين العيدان والصنج والزنج والطنابير وسواها. وكان عند عرب الجاهلية الدف والمزهر ثم استنبط الفيلسوف الفارابي الآلة المعروفة بالقانون ولا تزال إلى يومنا محافظة على شكلها الأوّل، واصطنع آلة مؤلفة من عيدان يركبها ويضرب عليها وتختلف أنغامها باختلاف تركيبها. وزاد العرب في العود وتراً خامساً زاده زرياب المغني في الاندلس، وهو الذي اخترع مضراب العود من قوادم النسر، وكانوا قبله يضربون بالخشب، وعباس بن فرناس المخترع الاندلسي اصطنع الآلة المعروفة بالمثقال، يعرف بها الأوقات على غير رسم ومثال.