بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تموز 2023 12:00ص تأصيل المجتمع اللبناني في رواية «طفلة الرَّعد» لغادة الخوري

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
تُشكّل قرية ديرزوفا المكان الذي يرتكز على تمثيلات القرية اللبنانية في الأدب الروائي لانخراطها في التفاصيل الحسية لعيش امرأة مصابة بالتأتأة أو كما أطلق عليها في قريتها «التأتوءة»، إذ تهيمن الهوية اللبنانية على رواية «طفلة الرَّعد» الصادرة عن «دار الآداب» للكاتبة والروائية «غادة الخوري» التي تتمسّك بمبادئ القرى في العيش المتناقض والمتناغم في آن عبر نقطة التحوّل التي رسمتها من خلال الحرائق في سرد ديالكتيكي دون التشكيك بالتطور الفعلي في مجتمع القرى اللبنانية، والبسيط ضمن بناء الذات أو الهروب من أزمات متغلغلة في واقع متخيّل يحمل الكثير من البصمات اللبنانية القروية من منظور المواقف الإجتماعية في السبعينيات حيث لحظة العلاقة الحديثة في المجتمع اللبناني تحديداً. إذ نستطيع من خلال روايتها فهم الواقع الذي انطلقنا منه إلى ما يسمّى الآن ما بعد الحداثة بنكهة لبنانية ذات معنى أدبي كلاسيكي، لرواية ينبغي اعتبارها انعكاسا مباشراً لواقع لبناني سبعيني من حيث الظروف المعيشية في ظل بدايات تتجلّى عبر الحقائق الفعلية في سرد أدبي عميق من خلال قرية هي الإنسان المتجذر، والمتمسّك بالهوية اللبنانية، والغارق بالسمات الإنسانية رغم الإزدواجية بين الحداثة والتقليد الكلاسيكي في بنية رواية تمثل تطور الرواية اللبنانية مع العودة إلى عبق الروح في الهوية القروية اللبنانية التي تمثل الوطن الصغير قي قلب الوطن الأكبر. فهل التشدد القومي العربي انطلاقا من تقاليد قروية لا يمكن الفكاك منها في الذاكرة العربية تحديداً حيث ترعرعت عناصرها في ذاكرة الروائية «غادة الخوري» لتكتب «طفلة الرعد» بكلاسيكية تضعنا في دائرة الهدوء النفسي القروي إن صح القول؟ أم أنها تستعيد هوية الرواية اللبنانية بأسلوب يتماشى مع روح العصر؟
لم نشعر أننا أمام بطولات ذكورية في رواية بطلتها المرأة التأتوءة أو التي تزوجت برجل يكبرها. فقد قدمت «غادة الخوري» شخصية اتسمت بالبساطة الإنسانية، رغم ابتعادها عن ما يمثل الأدب النسوي وان لامسته أحيانا، إلّا أن للمرأة في روايتها نموذجا هادئا تحليليا يقودنا إلى جمالية الصفة الإنسانية اللبنانية المحمّلة بخطاب أدبي يتطور تدريجيا وفق تقنيات وأساليب هي أنماط السبعينيات، ولكن في مساحة القرية التي تأخذ معاني ورؤى تفرّدت بها دون المبالغة بالوصف القروي من لباس ومأكل وما الى ذلك، فلم تغرقنا باللباس القديم أو بالصور المبنية على المرأة اللبنانية والمونة وما الى ذلك، بل اختصرت كل ذلك بالمعاناة المصاحبة سلوكيا للمرأة التي عرفناها، كوجه لبناني تجتمع فيه الخصائل كلها أو الأحرى الإيمانية بمعناها الإنساني «اللسان كالقلب، إذا توقف أو أصبح عليلا فَقدَ الإنسان حضوره كيانه وحياته». فهل البناء الذاتي للإنسان يشبه البناء الذاتي في قرية كديرزوفا، وبالتالي لوطن أُختطف كما قالت في جملتها الأخيرة «الوطن كله أُختطف يا صالح»؟ وهل صالح هو الرجل اللبناني الذي نحتاج لصلاحه في هذه الأيام؟
لا يمكن أن تقرأ رواية «طفلة الرعد» دون الربط بين الأزمنة، فالتغيّرات الزمنية تحاكي بعضها البعض رغم التقدّم والتطوّر في بقعة من أرض لبنان، وبرشاقة لغوية تميل الى التصوير الأدبي في بعض منها، والى الرمزية في بعض التعابير التشويقية والمثيرة للدهشة في زمن ابتعدنا عنه واقعا وعشناه روائيا في «طفلة الرعد»، وإن كان للزوفا فصيلته الخاصة المخففة والمسكنّة للأوجاع والمضاد للصرع بعيدا عن ذكره في الكتاب المقدس، إذ اعتمدت «غادة الخوري» على سردية روائية تضمنت الكثير من الأبعاد التي ينتج عنها عالما ومجتمعا يمكن اسقاطه على عدة قرى لبنانية، وعلى لبنان بمعنى ما، من الجزء الى الكل مع التركيز على الجوانب الثانوية للشخصيات وارتباطها بالهمّ اللبناني بشكل عام. فالاحداثيات الاجتماعية في الرواية مصحوبة بمبادئ أخلاقية زرعتها لتأصيل المجتمع اللبناني في رواية من السبعينيات في عصر رواية ما بعد الحداثة التي تغزو الأدب حالياً، ومع ذلك فقد استطاعت اصطحابنا الى زمن السبعينات بخفّة روائية مثقلة بالنكهة اللبنانية التي نفتقدها بعد مضى زمن من انطلاقته مع كتّاب عرفناهم. فهل هيلانة هي نبتة الزوفا وهي القرية اللبنانية بكل ما تمثله من رموز ومعطيات روائية؟