بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيلول 2023 12:00ص تحرير الذاكرة الطفولية في لوحات الفنان يوسف غزاوي

من المعرض من المعرض
حجم الخط
صاغ الفنان «يوسف غزاوي»(Youssef ghazaoui) لوحاته بريشة تخيّلية منسوجة بروح طفولية رشيقة بصرياً، يرصد من خلالها الحركة التأليفية البنائية التي لم يطمسها، ولكن حرّر الذاكرة الطفولية من قيود العمر، ليحاكي الأجيال فنياً بما يرسخ في ذاكرته، وتطوّر مع السنين الحياتية، ليتلاقى مع الخطوط التأسيسية لبناء اللوحة من حيث القدرة على اللعب بالخطوط، كالعامودي والأفقي والمستقيم واللولبي وغيرها... وكلها تؤسس لبدايات فهم الطفل معنى الخط والتأليف من خلاله، وهذه قاعدة تجعله قادراً على رؤية الأشياء من خلال خطوطها ومعناها، والتي يتولد منها المربعات والمستطيلات والدوائر والمثلثات مع القدرة في الإنفلات مع الألوان، وتأثيرها على منح الخطوط الأشكال المؤثرة في معانيها أو منحها الأسماء اللازمة لها، كالنافذة والباب والغرفة والوجه، وما إلى ذلك من مفردات شحنها دكتور غزاوي بروح الطفولة واحتياجاتها لمثل هذه الرسومات التي تغذّي الذهن الطفولي وتعصف به. ليتمعن البصر بالتفاصيل الحياتية التي يراها الطفل وتعيدنا إلى الطفولة في الكهولة بجمع استطاع من خلاله تغذية نظريته البناء والتأليف في الفن من الطفولة للشيخوخة. فهل يضعنا الفنان يوسف غزاوي ما بين عفوية رسومات الأطفال ودقة الخطوط ليثير بنا لذة اكتشاف قوة الخطوط التي ننطلق معها نحو الحياة؟ أم أنه فعّل الرمزيات الفنية كالسلم والعصفورة والطائرة الورقية والقفص لتكون إيحاءات لطفل في داخله ينمو مع الأطفال الآخرين؟
تتخذ المفردات الجمالية في لوحاته هذه التي يحاكي من خلالها شتى المعانى البصرية التي تنطلق أسسها من علم الخط وضمن مستويات مختلفة تتوازن معها الدلالات بشتى مدارسها لتُنعش الحس الفني والتأملي والممتع في الكثير منه، خاصة أنه يستدعي الطفل الكامن في النفس والطفل الذي يحيا بدايات عمره بثنائية نحلّق معها فمن منا لم يتأمل السماء يوما ويقوم بعدِّ النجوم أو لم يمسك عصفورا أو يصعد السلم القديم ليصل إلى السطح وفي يومنا هذه اختلفت المسميات وبقيت الخطوط ومدلولاتها هي حقيقة الأشياء من حولنا حتى عند تعليم الطفل للخطوط نبدأ بالعامودي والأفقي وغيره. فهل التغيّرات الزمنية في الأمكنة ومعانيها تشكيلياً هي ذاتها من حيث القدرة التأليفية في رسومات الأطفال القائمة على الخطوط وأساسيتها؟
تتضمن لوحات الفنان «يوسف غزاوي» رؤية حركية ومعرفية وعاطفية غير معقّدة للطفل، رغم أنها تعتمد على الأسس البنائية لتنفيذ حركات اليد عند الطفل، التي تترك أثراً في النفس فيما بعد، فالأنواع المتعددة في لوحاته من هندسية وتصويرية التي يمكن تنفيذها ببساطة من مجموع الخطوط الأساسية، والمؤثرة على الخيال وخصائص الرسومات التي تتشكل منها وفق مراعاة الإحساس عند كل طفل، وممارساته النفسية بمختلف وجهات النظر التحليلية والنقدية التي يمكن لها فهم المغزى والمعنى. فهي تمثل نوعا من التبادل البصري بين كافة الأعمار خاصة تلك التي تميل إلى الوعي بمرحلة الطفولة، وما تمثله من وحدة جمالية حقيقية تولد وتبقى حتى الموت. فالجمال العفوي في حركات اليد في مرحلة الطفولة هي نقطة الإنطلاق في السير نحو بناء الخط، والأشياء الأخرى في رحلة الحياة التي يعيدها الفنان «يوسف غزاوي» في رسوماته هذه إلى بداياتها، ليجعل من لوحاته لغة طفولية تُمجد قوة الخط وتأثيره في الرسم حتى تلك التي تمثل الرموز القديمة على جدران الكهوف، وهي نوع من الإتجاهات التأليفية والبنائية أيضا، والتي أصبحت كرموز نميل إلى ترجمتها بشتى الطرق، ونستمتع بها جمالياً خاصة في انعكاسات خطوطها ما بين العامودي والأفقي والمائل، وهي بمثابة مفاتيح لفهم ما أنتجه الإنسان بما يخص الخط وقوته. فهل نحن أسرى طفولتنا ولو بلغنا من العمر عتيا؟
معرض الفنان د. يوسف غزاوي في غاليري ايسكاب بيروت (At Escape) ويستمر حتى ٢٣ أيلول.