بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 حزيران 2019 12:00ص ثقافة تتخطَّى التطبيع

حجم الخط
هذا هو المشهد الجغراسي المرسوم للشرق الأوسط، وما ينطوي عليه ضمناً هو المشهد الثقافي المشابه. وكما يخطّط للسياسة، في هذه المنطقة الغنية من العالم، كي تدخل في خدمة الإقتصاد العالمي في إطار النظام العالمي الجديد، يخطّط كذلك للثقافة كي تقوم بالدور نفسه. فالنظام العالمي الجديد يسعى إلى اعتماد بُؤَر اقتصادية تصبّ في ساحته، إما بالسيطرة المباشرة، كما في أميركا الشمالية وبعض الجنوبية، وإما بالسيطرة بالواسطة كما في الشرق الأوسط، وإما باللجوء إلى الاتفاقات والتحالفات الإقتصادية كما يخطّط لبؤرة اليابان - كوريا، أو لعالم الصين، وذلك للحدّ من آثار النهضة الأوروبية. أما الجمهوريات المفككة عن الإتحاد السوفياتي فلها قدر خاص مهمته ألا يتوحّد نحو القارة القديمة.

التطبيع على الصعيد الثقافي بين إسرائيل ودول المنطقة، ولا سيما بينها وبين العرب، لا يمكن أن يجري في نمط المسار السياسي والإقتصادي. فليس ثمة تكافؤ في المستوى الثقافي في مجال الإبداع والإنسانيات حيث يتفوّق العرب على إسرائيل، ولا سيما في أداة ثقافتهم ومحرّكها في آن، أي اللغة العربية. فهذه اللغة اضطلعت، تاريخياً، بدور حضاري رائد قامت عليه الحضارة الحديثة. واكتسبت حديثاً - بفعل نهضتها الثقافية في البلدان العربية وإشعاعها في البلدان الإسلامية وامتداد رقعتها البشرية إلى بلدان الإنتشار العربي في العالم، ووسائل الثقافة التي رافقتها - صفة العالمية، وغدت لغة منافسة في المحافل الدولية. وليس الأمر بالنسبة إلى عبرية إسرائيل، فليست تحتمل في أحشائها من إرث أدبي - إنساني، ولا هي اضطلعت بدور حضاري، ولا هي رقيت إلى إبداع ثقافي، ولا هي حظيت بانتشار كوني.

وكما تدلنا مؤلفات الإسرائيليين أنفسهم - إن نحن كلفنا أنفسنا عناء قراءتها، وقلّما نفعل - على مخططاتهم العامة بالنسبة إلينا، فإن مؤتمراتهم ومراكز أبحاثهم تجري في المجرى نفسه.