بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 أيار 2023 12:00ص حسان حلاق.. الشجرة المثمرة تأتي أُكلها كل حين

حجم الخط
أيها الراحل الكبير إلى دار البقاء، رحيلك المفاجئ الصادم بأشدّ الصدمات وأقساها وأكثرها حرقة وحسرة ليس رحيل إنسان فرد، إنه رحيل لمجموعة قِيَم وعلوم وثقافات كانت وستبقى من مكونات شخصيتك وتقديماتك في خدمة العلم لأجيال من الطلاب الجامعيين الذين ساهمت بتعليمهم وتربيتهم وإعدادهم علماً وثقافة وأخلاقاً. رحيلك الذي لا يعوّض هو خسارة لبيروت المحروسة كما تصفها في كل كتاباتك ومحاضراتك وأحاديثك وكما أحببتها وأهاليها وكما عشقتها. ورحيلك خسارة كبيرة للبنان الوطن الذي ذبح ويذبح بأيدي الفاسدين من بعض مسؤوليه المغامرين بالوطن وبمواطنيه ويتاجرون به ومحاولات بيعه لدول غربية استعمارية ولدول شرقية والجوار من الذين لم يخلصوا له ولا لشعبه إخلاص الأصدقاء الشرفاء.
أيها الراحل الكبير والعميق بإيمانك بالله تعالى، والكبير بالتزامك الديني والأخلاقي والوطني والعروبي وقضيته بل قضيتك المركزية فلسطين والقدس الشريف وتحريرها من النهر إلى البحر.
أيها الراحل الكبير بما اختزنته من علوم متعددة الاختصاصات وبثقافات متنوعة، وحرصك الشديد لوحدة المجتمع اللبناني وسبل قوته الوطنية التعايشية بين جميع أبنائه، والكبير باهتماماتك وسعيك الدائم للحفاظ على الجمعيات والمؤسسات اللبنانية الإسلامية بروح إيمانية عالية وتعامل أخوي مع الجميع وبدون مكاسب شخصية أنانية مصلحية انتهازية أو الوصول لمراكز لمنافع خاصة، بل كنت دائما داعية وحدة، وتعاون وتضامن وكنت ناصحا للخير، وكنت بخدمة الافتاء والمفتين والعلم والعلماء والمشايخ الأجلاّء، لم تردّ سائلا ولم تبخل باقتراحات ودراسات علمية حيادية لا تبغي منها إلا المصلحة العامة، كنت ذاكرة بيروت ومؤرّخها والمدن اللبنانية الأخرى وذاكرة لبنان بأحداثه التاريخية وشخصياته ورؤسائه في مراحل الدولة العثمانية والانتداب الفرنسي البغيض ونضالات شعبه ومسيرة الرواد الكبار منهم الذين بنوا وطوّروا وتفانوا لقيامة الوطن اللبناني وهيئاته وجمعياته، وكنت وستبقى في كتاباتك ومؤلفاتك وتقديماتك ذاكرة بيروت وروّادها أمثال الشيخ المقدام عبد القادر قباني مؤسس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية التي تعيش هذه الأيام أسوأ حالاتها وأخطر تراجعاتها، وأمثال الرئيس الحاج حسين العويني الذي أسّس مع اخوان له مستشفى دار العجزة الإسلامية، وكنت من الراصدين والمتابعين لرؤساء الحكومات اللبنانية وتقديماتهم الإيجابية والسلبية، وكنت مرجعا علميا ومعرفيا لكثيرين من اخوانك الناشطين من أجل المجتمع البيروتي، وكنت أنا واحدا منهم نلجأ إليك لتأكيد حقيقة تاريخية أو تاريخا لمؤسسة أو الحصول على سيرة روادها.
أيها الراحل الكبير كنت بالنسبة لي الأخ والصديق الصادق الصدوق وكنت الرفيق الذي نستزد منه الآراء المفيدة والمعلومات التي تصحح الكثير من السرديات والخطايا التي ارتكبها أعداء لبنان والعرب بتشويه التاريخ الوطني والعربي والإسلامي، كانت حواراتنا تطول في جلساتنا معا وتمتد لأوقات طويلة على الهاتف، وكنا متقاربين إن لم أقل متطابقين في أغلب القضايا والأمور التي كانت محور أحاديثنا عن جامعة بيروت العربية وطلابها ومن ساهم في إنشائها وهي مصر وزعيمها الخالد بانجازاته جمال عبد الناصر، وأنت أحد أركان الجامعة ومن المسؤولين فيها ونراك دائما فيها ومع طلابها وأساتذتها وعزّها ومجدها، ونراك في نادي خريجي الجامعة حيث توليت رئاسته وعملنا معاً في إعلاء هذا الموقع ليقوم بدوره الوطني والعربي والثقافي وهكذا كان. ونراك في جمعية البر والإحسان وقاماتها الكبيرة وتقدير البيارتة حسب تعبيراتك لهذه الجمعية وتاريخها وإنجازاتها ورجالاتها التي لا مثيل لهم، ونراك في دار الإفتاء وقضايا المسلمين واللبنانيين، نراك شامخا فخورا بكلية الإمام الأوزاعي ودورها الكبير في العلوم الجامعية وطلابها حملة الدكتوراه من لبنانيين وعرب وفلسطينيين، نراك متلازما مع من يمثلون القدوة الحسنة والسيرة والمسيرة الطيبة ومنهم الحاج توفيق الحوري وآل الحوري وتقديماتهم للمجتمع الإسلامي اللبناني مع قيادات من عائلات بيروتية أخرى، لكن ما هو مؤسف ومحزن أنه في مجتمعنا الإسلامي وتحديدا البيروتي لا يعيرون الاهتمام باختيار القيادات والوزراء ورؤساء الوزراء ذوي الفكر النيّر والمعرفة الواسعة في قيادة الشؤون الوطنية والسيرة الحسنات ونظافة العقل والكف واللسان أمثالك أيها الراحل وزميلك الذي غادرنا منذ سنة أو أكثر قليلا القاضي المنزّه والمميّز الدكتور سمير عالية وشخصيات بيروتية أخرى مشهود لها بعلمها وخبرتها ونظافتها وقيادتها لكثير من الأمور الناجحة والذي كان المطلوب أن تتولى هي قيادة العمل والتمثيل لأهاليها أمثال المناضل العروبي كمال شاتيلا، والصحفي المميّز رئيس تحرير جريدة «اللواء» صلاح سلام، وأحمد طبارة وعمر غندور والصحفي الجريء حسن صبرا وكثيرون من أهالي وسكان بيروت المحروسة بدل استجداء دول أجنبية لتسمّي وتختار لنا رؤساء جمهورية ورؤساء مجلس وزراء ورئاسة مجالس نيابية ونواب ووزراء.
أيها الراحل الكبير شوقي ووفائي لك ولما قدمته وأعطيته أن أكتب أنا وغيري الكثير عنك كنموذج طيب للعلم والعمل والعطاء. أيها الكبير، القلوب والعيون تبكيك والعقول تفكر بهول المصاب الجلل وكلما ترجّل فارس من الفرسان الأشاوس يصبح التفتيش عمن يسدّ الفراغ الإنساني الذي يتركه الكبار والعظماء لا الفراغ السياسي القاتل والظالم والمتآمر على لبنان الوطن والمواطن. وأخيرا أعمق التعازي للأسرة ولزوجتك رفيقة الدرب والمشوار الطويل وللأبناء الكرام وجميع الأهل والأقرباء وللسادة رفاق دربك في رئاسة جامعة بيروت العربية وكلية الإمام الأوزاعي ولدار الإفتاء وسيدها صاحب السماحة والمشايخ وجمعية البر والإحسان ولكل المواقع التي عملت بها لهم جميعا شديد العزاء ولنا ولهم جميعا جميل الصبر والسلوان. في جنات النعيم عند رب العالمين وما نقوله ونردده إنّا للّه وإنّا إليه راجعون.