بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2023 12:00ص د. زاهية قدورة لم تغِب!

حجم الخط
البعض يرحل من هذه الفانية لكنه لا يغيب، تأثيره الذي تركته بصماته في الآخرين خصوصاً من كان قريباً منه لا تترك مجالاً للغياب يبقى حاضراً على الرغم من تراكم عدد سنوات الرحيل، يتقزّم الوقت بحيث يبدو الرحيل كأنه بالأمس، أو بالأحرى كأنه لم يحصل.
د. زاهية قدورة أستاذتي في مرحلة التحصيل الجامعي من هذا البعض النادر، في أي وقت تبثها الذاكرة تبدو مجسّدة بكامل حيويتها وحضورها.
لم تكن بالمرة أستاذة جامعية عادية.. كانت مختلفة، ولعل موسوعيتها وتجربتها الحياتية الغنية وتركيبتها الإنسانية وجذورها لعبت دوراً في تكوينها.
شعورها القومي ينغرز في النسغ ولطالما أوجدت محطات خلال محاضرتها لكلام في ما له علاقة غير مباشرة بموضوع المحاضرة وله علاقة عضوية بها في نفس الوقت.
كانت علاقتها بطلابها علاقة باعتبارهم أبناء لها تبذل قصارى جهدها لجعلهم يستوعبون إلى الحد الأقصى ما تقول.
الكثيرون من طلابها اليوم لا يعتبرونها كأستاذة جامعية بالنسبة لهم فقط بل كأم تعرف مصلحة أبنائها وتسعى لتأمينها.
وفي موضوع الأمومة لا بدّ من سوق هذه الحادثة للدلالة والتأكيد...
عرفت بصورة ما انني أنجزت كتابة كتاباً وأنوي طباعته وهو كتابي الأوّل، وكانت العلاقة الجامعية بيننا قد أنتهت بانتهاء دراستي بإشرافها وان استمرت العلاقة اجتماعياً، وأرسلت تطلب حضوري إليها، فذهبت سريعاً، فقالت انها علمت بأمر الكتاب الذي أنوي طباعته، فأجبتها بأن هذا صحيح، فطلبت مني أن أحضر لها مادته، فاستغربت وسألتها عن السبب، فقالت انها تنوي كتابة تقديم للكتاب، فقلت لها: انها مجموعة قصصية وأنت يا أستاذتي أستاذة تاريخ. فأرتفعت نبرة صوتها قائلة: احضر مادة الكتاب.. هل نسيت انني عميدة كلية الآداب؟
فاعتذرت وأحضرت المادة وكتبت تقديما لكتابي الأوّل (بيروت الحلم على فوهة أستون) واعتبر هذا التقديم وساماً رفيعاً تقلّدته من أستاذتي التي اعترف بفضلها لما أفرغت فينا أنا وبقية طلابها من معلومات خزّان معرفتها الذي لا يقدّر بحجم.
رحمها الله..