بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 آب 2023 12:00ص صالح لـ«اللواء»: «نحن نستبطن ما نستشعره ونلجأ إلى الأدوات الشعرية التي تحيلنا إلى استجلاء المعنى

حجم الخط
تنبع قصائد الشاعر «محمد ياسين صالح» في ديوانه الصادر عن «دار الرافدين» بعنوان «القرية التي كنّا فيها» من انعكاسات الطفولة والإنتماء لقرية تشكّلت في قصائده عبر عدة عناوين تتغلغل في معظمها بقوة، وبعمق لا يخلو من استحضار بلاغي جعل من القصائد تذكرة تتداخل بشكل أو بآخر بالغموض والإختزال، لنشهد على القصيدة المتعالية أو المترفعة عن الترهل، ليغلّف القصيدة بتلغيز ليس عبثي، وإنما لتعصف بالمتلقّي، ويواجه التعقيد بالتصورات الشعرية التي تنشأ عن كل ذلك «أحبك لو تقاسم بعض حبي/ جميع الناس زاد عن الجميع» ليجعل بذلك الخطاب النقدي في مواجهة القصيدة، وبتميّز تجاوزات المعنى بتقاطع يمتد بين الظاهر والباطن وبازدواجية إخفاء المعنى وإظهاره وهو بذلك يرمي مفتاحه الشعري في قعر القصيدة، ليكتشفه القارئ والناقد، وليستمتع من أراد الاستمتاع بقصائده.. ومعه أجرينا هذا الحوار..

{ تميل إلى الاختزال التقني الشعري إن صح القول ما الذي تستبطنه في القصيدة ولماذا؟
- نحن نستبطن ما نستشعره ونلجأ إلى الأدوات الشعرية التي تحيلنا إلى استجلاء المعنى من أقصر الطرق الممكنة، ألم يقل العرب قديما أن الفصاحة هي أن تقول فلا تخطئ وتجيب فلا تبطئ... والإيجاز لب البيان وجوهر الفصاحة.. القصيدة - عندما تتراكم إلى حد الإكتمال - تميل إلى اختزال نفسها بنفسها وتمنح القارئ أبعاداً متأرجحة على هوامش التأويل.
{ الشاعر محمد ياسين صالح هل تميل إلى إخفاء الحقائق من خلال قصيدة تريد من متلقّيها أن يكشف ما هو مختزن فيها؟
- يميل الشاعر بطبعه إلى أن يقول في القصيدة ما لا يقوله خارجها، ولهذا الميل عرف قديم توافق عليه الشاعر والمتلقّي منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة.
{ ما بين الحب ونقيضه في قصائدك حكمة تلامس المنطق والاحتكام لإيقاع حياتي مُرّ وحلو، ما رأيك؟
- يقول أبو تمام: ولولا خلال سنّها الشعري ما درى/ بغاة العلا من أين تؤتى المكارم... الشعر إن لم يكن مطية إلى كواكب الجمال ومدارات الحكمة وسماء البيان كان نظما لا يزيد ذرات الهواء إلى غبار ذي قيمة.
{ يتضح الخيال الإستبطاني كلما اقتربنا من المعاني المتمسّكة بحكمة الأجداد نوعا ما، ما الذي تريده من القصيدة؟
- أريد من القصيدة أن تضرب على رقاب الخيل، وأن تتعلق بحبال النجوم، وأن تصل بيني وبين جدي السابع الأربعين. أريد من القصيدة أن تعوّض البشرية عن مئات السنين التي سبقت اختراع الطائرة وصناعة العطور.
{ ألا تحمل قصائدك عبء الحكايا الإنسانية بأسلوب يتشارك مع الحدث المتغاير بشكل شخصي أو نفسي عندك؟
- وحين تطغى على الحرّان جمرته/ فالصمت أفضل ما يطوى عليه فم.. يتغنّى الجواهري ونحن معه بأبيات تفضّل السكوت على القول. ولكن الحقيقة أننا بدون القول لا يمكن أن نفاضل بين القول والصمت.. وكذلك الأمر حين تزدحم على المرء أعباء العام والخاص، وعندما يحمل هموم القضايا الكبرى فلا يكون بينه وبين الحدث درع أسمك من القميص ولا مسافة أبعد من النفس... لا يمكن للقصيدة أن تتخذ لنفسها درعا يقيها من الرصاص الطائش في حروب الحروف، وفي معارك المدارك...
{ قصيدة لها حكايا عندك وتهتم بها أكثر من غيرها؟
- لكل قصيدة حكاية، ولكل حكاية أيلول، يمطرها ويرويها. لا أستطيع أن اقرّ بإجابة واضحة رغم أنني سمّيت إحدى قصائدي «أحلى القصائد»، في مجلسي تجلس القصائد كلها في صدر المكان. من طقوس كتابة القصيدة توقيع عقد سري بيني وبين النص، يشترط على النص قبل أن يطاوعني أن لا يكون من سقط القول وأن لا أتجنّى عليه جناية تنتقص من حقه فتجعله أقل درجة من غيره.