بيروت - لبنان

14 أيلول 2023 12:00ص ضوابط الأدب العرفاني في رواية «أيام مولانا»

حجم الخط
ضوابط الأدب العرفاني في رواية «أيام مولانا» للشاعر والروائي «محمد حسين بزي» هي عودة لمنطق الطير عبر المقامات المبنية على رحلة زمنية، نتفحص من خلالها جوهر الرؤية العرفانية، وحقيقة علم الأدب العرفاني الذي وظّفه في مقاربات مبنية على استعارات في الخطاب التاريخي المرتبط ذهنيا بالمعرفة المجردة في التفكير، ومفهومها الواسع كما جاء في مقام الأربعين والقاعدة الثالثة «إعلم أن العقل والفكر يذهبان بك حتى عتبة الدار، لكن ليس إلى عقرها» ولكن بقالب رمزي لخلق نوع من الإستنارة في أدب يرسم من خلاله الجغرافية الإيمانية الحقيقية في عالم تغيّرت جغرافيته وانتشرت فيه الشعوذة، ليخاطب الحاضر من خلال الماضي المشحون بمعارك المغول وغيرها، فـ«مرحلة العقل تحتاج إلى النباهة من دون أي غفلة» فالبُعد العرفاني في السرد الروائي هو تفكيك لسيرة مولانا، والدخول إلى اللب والجوهر. لكن السؤال الأهم ما الجديد الذي أراده «محمد حسين بزي» في أيام مولانا، ونحن نهرول نحو الذكاء الإصطناعي، وتقنيات خوارزمية تنقلنا فعليا نحو كونيات شبيهة عرفانيا ونوعا ما بالمقامات والقواعد الهادفة الى التأثير في الذهن، ليتحوّل إلى مستنير عبر عدة مقاربات برؤية تجريبية وعلمية، وكأن الذهن يجب أن يعتمد على الرموز، كما هي الحال في علم البرمجة، وقد يسيئ فهمي في هذا المقال، ولكن جميع الأفكار التي لا ندركها قد يتم ادراكها عرفانيا. «فلا تأخذ الأفكار حرفياً وتدخل إلى سجنها، لأنك عندما تدخل دائرة الحب، تكون اللغة قد عفا عليها الزمن». ربما المسألة العرفانية أخذ بها الكثير من الفلاسفة والعلماء بعيدا عن العلم القرآني رغم ما جاء في مقام شمس ومن اسقاط المعنوي على المادي والربط بينهما. فهل يريدنا قراءة ما خلف السطور برؤية علمية عرفانية تتماشى مع ثقافة القارئ واختلافه؟ أم أن افتقارنا إلى الروحانيات يجعلنا بحاجة لهذا الأدب في زمن كثُر فيه التنجيم والشعوذات؟ أم أنه يجعلنا على يقين أن لا شيء يحلّ محل الأدب العرفاني في التجربة الإنسانية؟
وفي مقولة لشمس التبريزي يقول فيها : «سوف تتعلّم من خلال القراءة، ولكن لن تفهم إلّا من خلال الحب» فالحب هو المعرفة التي نبحث عن كنوزها في الكون الذي نطوف فيه لنحيا بما يُثمر في العقل من عصف ذهني، ليقطف انتباه القارئ، ويضعه في سلال معرفة هي نوع من الأدب المعادل لخوارزميات ما زالت تحتاج لفك شفراتها في عصر التقنيات البرمجية التي تنقلنا إلى عوالم فرضية وأخرى مادية، ولكن في غالبها ظاهرية. فالتوق لمعرفة قواعد الحب الأربعون، وهي قواعد مرحلة العقل تحتاج لبُعد عرفاني، وتجريد ذهني للإنتقال من المادي إلى المحسوس عبر نظام المقامات وأسرارها التي تتضح كلما توغلنا فيها وصولا إلى مقام الحب وقواعد العشق الأربعون «وسرّ سير أهل الحقائق ومكاشفات الروحانيين» فماذا في مقام الإنتظار؟ وهل يمكن أن يكتب هذه الرواية إلّا من غاص في علم القرآن واللغة؟ أم هي بلاغة إيمانية لإبراز آلية القرآن وجوهر الإدراك الحسي الإيماني ليفك تعقيد تاريخية كتب العرفان بين تلامذة وأساتذة ومريدين؟
تساؤلات وجودية منها الرمزي ومنها ما هو مرتبط بالإستنارة ومعانيها الصوفية، المتناقضة بين التربية والتأديب والتعليم والقدرة على التفاعل مع المبنى والمعنى، كما هي الحال في المقام العاشر، وهو مقام الأسرار ورمزية الحجر التي تثير دهشة الإمتداد المعرفي عبر القرون لامتداد عرفاني نوراني بتجانس بلاغي لا يخلو من شاعرية استبطنها «محمد حسين بزي» بقيمة الإدراك والإستدراك الروحاني المُغذي للإستفهام غير المرئي، الحسي كونيا عبر دوائر روائية رسمها عبر المقامات، والآخر المصاحب له من واقع لرمزيات تحتاج للكثير من الأجوبة، لمن يدخل لقلبه الشك في حب الله عند العارفين، ولكن نحن في عالم رمزي والعقل يحتاج لتفسيرات، وهذا يظهر عند سؤال الفتى وسؤاله عن ما هي رمزية الحجر ليأتيه الجواب «فأنت تطوف حول حجر، وتستلم وتقبّل حجراً «الحجر الأسود» وتسعى بين حجرين «الصفا والمروى». وتبيت على حجر، وترجم حجراً «أصنام الشيطان» وبحجر..!؟ فأي سر في هذا الحجر؟ ليزيد من قيمة الملموس في المحسوس أو بشكل أصح الشعور المحيط بالمعنى العرفاني عند ابن عربي وجلال الدين الرومي، وكتب عبد القادر الجيلاني وغير ذلك.. لنتوسّع في العوالم التصوفية التاريخية الغنية بالمراجع المُثبتة بالهوامش التي تُعد وثيقة ذات أهمية يمكن العودة إليها للتوسّع أكثر في «أيام مولانا» للغوص في تاريخ فقدناه نوعا ما! ليعيدنا بزي إلى الأدب العرفاني في عصر بات يُطلق عليه ما بعد الحداثة أو البدائل الحداثية في الأدب، وبفطنة روحانية مُكحلة بلغة قرآنية وافرة لغوياُ لتنشأ اللبنة الأولى بينه وبين القارئ تاريخياً، ومن ثم جوهريا على المستوى العرفاني الروائي من جهة الإدراك للمصادر التي استدعاها بالاشتراك مع الإحاطة القرآنية التامة بعيداً عن التجريد والتعقيد، لنصل إلى جوهر مولانا «فإن جلال الدين الرومي يبقى هو المروج الأكبر لأفكار شمس التبريزي، ويعود إليه الفضل في أن يعرّف العالم إلى شمس وأفكاره التي انصهرت في عقل مولانا وقلبه وروحه» فهل مفهوم الإسقاط العرفاني في رواية مولانا هو التأطير لقواعد العشق الأربعون، لرتق فتق لغوي غايته الفهم والإدراك في زمن ابتعدنا فيه عن الأدب العرفاني؟ أم هو قطع خيط العلم القديم كما جاء في مقام المُراد بخيط علمي أدبي هو معادلة تجعلنا نصل إلى ضوء جديد بالأدب العرفاني باعتباره وسيلة لفهم العمق الإدراكي الذي اعادني شخصيا الى فيلم 1899 رغم اختلاف الاستعارات بينهما أي بين رواية مولانا وفيلم 1899 إلّا أن عالم المعنى بأجمل مبنى هو تنظيم الأفكار في أذهاننا من خلال الأدب العرفاني المسؤولة عن فهم المقاربات الروحية في العلم اللدني؟