بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 أيلول 2020 12:00ص عن «البور»: موئلنا يوم الضيق

حجم الخط
كلما هممت بالكتابة عن مجزرة مرفأ بيروت، ينكسر قلمي وتغيب الأحرف من أمامي من على قائمة الكمبيوتر. لم أدرِ ما سر هذا الاحباط الذي لازمني منذ عودتي من منزلي في بعلبك الى منزلي في بيروت في ذاك اليوم المشؤوم.

استعنت بفرويد علّ عاملا نفسيا يردعني عن الكتابة، فلم أجده. فرويد يعيد مسألة المنع الى عوامل نفسية لازمت صاحبها قبل أن يدرك الأشياء وتمركزها في اللاوعي، وهذه لا تنطبق عليّ.

فجأة قفز الى مخيّلتي الشهيد علي مشيك، عامل «البور» الذي كان يفترض أن يعود الى منزله وعائلته، بعد أن أنهى عمله، عمل ساعات إضافية علّ الخمسة آلاف ليرة تسدّ ثغرة من الثغرات التي ثقبها أصحاب الكروش الكبيرة في جسد الوطن.

تذكّرت علي، ووقفت مكانه. ربما في ذاك العنبر الذي كان يعمل فيه، كنت أنا أعمل، خلال دراستي الجامعية، وقصر ذات اليد في ذلك الوقت.

كان «البور» ملجأنا، نحن الذين كنا آخذين على عاتقنا تغيير العالم، والنظام اللبناني جزء منه، عن طريق البروليتاريا، والمثقفين الثوريين.

كان العمل في البور جزءا من مهمة حزبية، فضلا عن الحاجة الماسّة للسبع ليرات يومية، لسد الحاجات الضرورية.

لم أبارح المنزل طيلة اسبوعين، فكلما هممت بالخروج، ينتابني شعور داخلي، لو ان الانفجار حصل يوم كنت أعمل هناك؟

ويزيد من هلعي كم الزجاج الذي تساقط في منزلي، وتصوّرت نفسي، أو أي أحد من أفراد الأسرة كان يقف حيث تفجّر.

موقف أناني، يقول البعض. ولكن في معناه العميق، دلالة على التشبّث بما تبقّى لنا من العمر.

لست وحدي، من فكّر بالأمر، وإنما كل أبناء جيلي الذين انتقلت بنا الحياة من أزمة الى أخرى، ومن حرب الى أختها.

قبل ولادتنا بسنوات كانت نكبة فلسطين. وبعدها بأقل من عشر سنوات كانت الثورة على حلف بغداد والإطاحة بالرئيس كميل شمعون، لَيَلي ذلك بعد ثلاث سنوات الانقلاب الفاشل على الرئيس فؤاد شهاب، ثم العدوان الإسرائيلي في حزيران ١٩٦٧، لتكرّ سبحة الأحداث المتعلقة بالعمل الفدائي الفلسطيني إنطلاقا من لبنان، والحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥، مرورا باتفاق القاهرة عام ١٩٦٩، والاجتياحات الإسرائيلة تحت مسمّيات عديدة وحرب تموز ٢٠٠٦، وقبل ذلك اغتيال الرئيس رفيق الحريري ٢٠٠٤...وحتى تفجير المرفأ.

أقلّ من سبعين سنة عجاف. ألا يحق لنا أن نرتاح... ولو لبضع سنوات؟..

أسئلة بسيطة لا أدري من يجيب عنها؟

 صبحي زعيتر

(إعلامي)