بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تشرين الثاني 2023 12:00ص فوتوغرافيات الفنانة بشرى شنان فن رقمي يُحاكي الأجيال الفلسطينية

من لقطاتها من لقطاتها
حجم الخط
يتشكّل الدخان المتصاعد من فوتوغرافيات الفنانة الفلسطينية «بشري شنان» تعبيريا، ليروي حرب الصهاينة على غزة من خلال الدخان الذي يتصاعد عند كل قصف اندلعت منه السحب الدخانية السوداء والنيران، فهي استطاعت تطوير رؤيتها كفن الدخان التعبيري والتخيّلي أو الإيحائي بالمعنى المجازي فنيا (Smoke ArtPhotography) المعروف فنيا الى رسم يخدم القضية الفلسطينية، وبالتحديد الحرب على غزة لتمنح كل صورة حكاية ترويها من خلال الدخان المتصاعد من مدينتها التي تحترق وتندلع فيها النيران مع ارتفاع عدد الشهداء الذي احتفظت بصورهم في دخانها الغاضب، وتغيّراته الفنية وضمن أسلوب الفوتوشوب (AdobePhotoshop) وبرامج اخرى لتكوين المفاهيم التصويرية بدقة كرسالة مقروءة بصريا عبر فن فوتوغرافي رقمي يحاكي الأجيال الفلسطينية القادمة، والعالم الصامت عن حرب غزة والمجازر بحق الأطفال والشيوخ وحتى الشباب الذي يدافع عن أرض وطنه.
سريالية رمزية، وحتى تعبيرية تخيّلية سردية بطابعها الفوتوغرافي، ورقمية بإخراجها التصويري والتأليفي، فهي تعتمد على الاحساس المندفع من المؤثرات المشحونة بالألم والوجع الفلسطيني، بل ومن كم انفعالات تأثيرية تترجم الواقع المأساوي من خلال صورة هي بمثابة خبر صحفي أو حكاية مأساة أو حتى تعبير متوجع من أحداث غزة، والصمت الذي غزلت منه الفنانة «بشرى شنان» فوتوغرافيات تكوّنت من دخان نراه حسّيا من خلال الواقع المتخيّل أو الواقع الحقيقي المقرون بصور التقطتها عدسة ترى ما لا تراه العين المجرّدة، لان الدهشة في تغيّرات الرؤية التخيّلية تخاطب الحقيقة والحس الذهني عند المتلقّي.
ان خلق صورة الفوتوشوب من صورة فوتوغرافية ملتقطة من عدسة ضوئية، وضمن الأسلوب الجمالي أو التخاطبي الذي يحاكي كل الاعمار والعالم، بما يحدث في غزة هو فن يرتقي الى التعبيرية الرمزية والسريالية التي تصيب الحواس بدهشة تجعل المادة التصويرية الأساسية قادرة على مخاطبة الرأي العام بفن يؤدي دوره الفعّال في خدمة القضية الفلسطينية، وفي أرشفة صور القصف على غزة بأسلوب عقلاني منسجم انفعاليا مع الفكرة الفنية وجماليتها الحسية، لان تسليط الضوء على الدخان المتصاعد، وعلى النيران والتحولات للصورة من خلال المقارنة التي تضع المتلقّي بين الحقيقة والتخيّل هي بحد ذاتها محاكاة صامتة توحي بالذي تتعرض له غزة من انتهاكات لحقوق الإنسان ولانتهاك فلسطيني خاص.
تثير الفنانة «بشرى شنان» ردود أفعالها كما تؤثر على ردود أفعال المتلقّي مع الصورة، لانها تقسم الصورة الى قسمين ما هو ملتقط من العدسة بفطريته وعفويته الضوئية، وما هو رقمي أو ما هو إخراجي وتحسيني من خلال برامج الفوتوشوب، وكان اللمسة الرقمية هي لتحسين الرؤية التخيّلية التي تجعل من الدخان المتصاعد صرخة مدوية تواجه القصف النيراني بقصف فوتوغرافي، ولكن بأسلوب فني يؤرشف الحدث ويحاكيه، ويمنحه حوارات داخلية تستطيع من خلاله الوصول الى العالم، ليرى عذابات الشعب الأعزل وهمجية الصهاينة في القصف على المدن، وتهجير شعبها والتسبب بالموت والتشرّد، والمزيد من الفقر وسوء الحال.
أشكال ونماذج تجذب البصر وتؤثر على المشاعر الإنسانية، إذ تعتبر الدخان كمخلوق إنساني ذي ردّة فعل إنعكاسية لها أبعادها الرؤيوية، ومسارات تبتعد من خلالها عن الزوايا، لتضع الصورة أو الفكرة التي تضع عليها البؤرة الضوئية في الوسط، وكأنها تبرز نقطة المحاكاة في الوسط كنقطة انطلاق تعتمدها بصريا على محورية الدخان المتصاعد عاموديا، أو انفلاشه المتراكم كمعطيات داكنة وفاتحة تتدفق حركيا أو عاموديا أو أفقيا، وأسلوب تحرير الصورة الرقمية من حدودها الفوتوغرافية حيث يلعب الضوء دوره المهم في إبراز ضبابية الدخان، وتشكّلاته الفنية من حيث الموضوع والإضاءة والخلفية، لإظهار حيوية الفكرة ومحاكاتها بموضوعية تشكيلية، كرسم توضيحي يتناسب مع تقنيات اللقطة الفوتوغرافية ومعاييرها الفنية ذات التركيز الإيقافي أي بمعنى متى تبدأ الصورة؟ وأين تنتهي؟ والسرعة الضرورية في التقاطها الزمني حيث تتوقف الصورة عند ما هو مطلوب فوتوغرافيا وملازم للفكرة.
توضيحات فنية إنشائية للدخان تمزج فيه صور وجوه الشهداء والأطفال الذين عانق دخان القصف أرواحهم البريئة، فأظهرت وجوههم كشاهد على جريمة غزة الإنسانية حيث الجريمة الكبرى بحق الإنسان والحياة الملوثة بيئيا بدخان أسلحة لا رحمة لها إذ تبدو التغيّرات المفاجئة في الشكل مع ألوان النيران المتوهجة بلونها البرتقالي المختلط بالاحمرار وبسواد اختلط مع الرمادي الذي يأكل ويحوّل الى الرماد كل شيء يلمسه، فهل تحاول الفنانة «بشرى شنان» رفع قيمة البصر وحدوده، ليرى بعمق ما يحدث في غزة وفلسطين؟ أم فعلا دخان غزة يتكلم وينادى أين حقوق هذا الشعب؟.. أين فلسطين؟
تتوازن الألوان الحزينة في صور الفنانة «بشرى شنان» رغم صعوبة التقاط الصورة بعدسة ذات بؤرة ضوئية محدودة التفاصيل، إذ ان التقاط ايحاءات الدخان بصعوبة ما من حيث القدرة على خلق البؤرة المناسبة للالتقاط قبل تعرضها لبرنامج الفوتوشوب، وضبط الاعدادات المناسبة لتكون المقارنة حوارية وليست جدلية، بحيث يصبح الاستنتاج بمثابة مفهوم فوتوغرافي مقروء بصريا من كل من يرى ويحلل ويستنتج، لان هذا ما تريد إيصاله الفنانة «بشرى شنان» للعالم من خلال صورة فوتوغرافية تتكلم واقعيا، وصورة فنية أخرى تظهر فيها قيمة الدخان، وما يرسمه من انفعالات إنسانية تدعم الإنسان وحقوقه وبالأخص شعب غزة.

dohamol@hotmail.com