بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 شباط 2020 12:00ص مازن عرفة في «سرير على الجبهة» اللحظات الحرجة بسردية ساخرة

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
يمزج الروائي «مازن عرفة» في روايته «سرير على الجبهة» الصادرة عن «دار نوفل هاشيت انطوان» بين الصور التعبيرية الساخرة والحركة الهزلية، لنفي اللامبالاة والتقاط فروقات الأزمنة في سوريا، وتطوير لحظات الإنكسار بخلق المزيد من التوترات والتعقيدات ضمن التاريخ الالماسي المغمّس بالاحتلالات والأوجاع، وحتى أسلوب العيش المكتسب من الفترة العثمانية أو الفترة الفرنسية «وكنا نسيناها منذ زمن، وفق ما أظن منذ الاحتلال الفرنسي بلادنا أو ربما الاجتياح العثماني» وبتآزر مع القضايا التي تسحق الحياة اليومية في بناية صغيرة يختفي منها الأطفال وضحكاتهم وضمن القضايا التي تتطلب المزيد من تسليط الضوء الهزلي عليها، وبسخرية تحث الخيال على الاثارة غير المجدية في التوقف أو الحسم بين السخرية والهزلية، وبتوازن يخدم العنوان الذي وضعه على الجبهة مباشراً، وهو سرير روائي ذو أحلام تثير اليقظة عند القارئ في غلو سردي يساعد على التركيز المثير للتفاهة في عدة أمكنة أخرى، وبجدلية تساعد على اكتشاف تاريخ سوريا «منذ أيام الجوع في «سفر برلك» عندما كان العسكر الإنكشاريون يجتاحون القرى ذات البيوت الطينية، وابتسامات العجائز، من دون أن ينسوا سكب المازوت والكاز في خوابي البرغل والكشك، بعد أن تتناول خيولهم التين المجفف، المعلق بخيوط على الجدران وبتوليف يبرز من خلاله طابع الأحداث في سوريا الذي يتخذ منه ببساطة رؤية سريالية تتخطى الفنتازيا، إذ ما من مصطلح محدد يمكن منحه لرواية «سرير على الجبهة» لأنها تطمس الحدود بين عدة أشكال أدبية منها التعسفي الفضفاض أو المبالغ فيه سرديا. فهل من هجاء سردي في رواية «سرير على الجبهة» أم أن «مازن عرفة» رسم الهموم والهزائم الوطنية عبر تسلسلات رمزية تهدف الى الاثراء الكوميدي الساخر لسرير على جبهة؟

رواية تتعايش فيها الأبطال ضمن صور كاريكاتورية وأخرى هزلية تتغذى من التعابير التي تستولي عليها الأشكال التحليلية والرؤيوية بموضوعية يقارن من خلالها ضعف الأجيال القادمة أو الأجيال التي تعرّضت لانتهاكات حقوقها الإنسانية، وأيضاً الفروقات بين الأجيال التي تتهالك أو التي يصيبها الوهن «بينما جيلنا في هذه الأيام يشيخ ويقترب من حافة القبر في الثلاثين من العمر» دون احباطات في الحالات التي يبرزها من أجل الإمساك بالحقائق في الحروب مقدّماً إضاءات حول موضوعات كثيرة منها الآثار في سوريا التي توضح قيمة الحكايا الأسطورية في اكتشافات لم يتم الاهتمام بها كما يجب «وقد اكتشفت هذه المقلاة في الحفريات الأركيولوجية لمملكة ايبلا على الساحل الفينيقي، بعد أن استعارتها زوجة الملك من أولاد هابيل، ونسيتها عندها» أو لتضخيم الرموز الأكثر سلبية في الأحداث مثل البوط العسكري الأسود الذي «يرتفع بمهابة وجلال نحو الأعالي، ويشع برمزيته على كل البلاد» فهل الدبكة الشعبية على ظهر الخزانة هي صورة ساخرة لوضع لا يمكن وصفه إلا بأسلوب روائي ساخر يرسمه سرديا كقارع الطناجر الموسيقية وأكوام جيوش البراغيث وامتحان المواطن الصالح، والتفرغ للتأمّل الروحي في أفكار القائد الجنرال العظيمة، وسبايا الحمام والمفراط. فهل حاول «مازن عرفة» أن يدندن ويبربر في روايته التي تهدف الى ارساء الأسس الساخرة من القضية التي تطرح قوة الحدث في الجبهة التي تقاتل ضد أبناء الوطن نفسه أو الجيل الذي أمضى طفولته يلعب الى جانب جدته عند الناعورة وهو الجيل الذي فَقدَ ذاكرته المكانية بعد الحرب التي وضعت بطل الرواية في الحاوية.

يضع الروائي «مازن عرفة» القارئ أمام شخصية هزلية تروي كوميديا ما حدث في حرب سوريا أو تحاول تصوير المواقف بسخرية تجبر القارئ على التقاط شفراتها المتعددة، لفهم أقوى اللحظات الحرجة التي يتعرّض لها الإنسان في الحروب أو إبراز نقاط الضعف البشري في الحقيقة عبر المتخيّل أو عبر أحلام اليقظة، وبتقاطع سياسي ذي وجوه متعددة ومراحل «ترميمية وترقيعية وتصحيحية» وهي بلا شك أحد المعايير الاستثنائية التي تميّز الجنون الروائي عند مازن عرفة وخاصة المبالغة الهزلية وتضخيم الحدث، وتخدير القارئ بتصوير تعبيري معقد لمجتمع ينهار ويخسر ماضيه وعاداته الاجتماعية وأمكنته متجاوزا بذلك القاعدة السردية، ليتوافق مع ما يتعارض معه كروائي في مكان ثابت ينتمي إليه وينطوي على طابع سلبي ساخر لا تتكافئ معه أحلام اليقظة والانتقادات الساخرة للأحداث العسكرية التي تعرّضت لها البناية أو شقته الخاصة. 



dohamol@hotmail.com