يستحضر الفنان «باسم دحدوح» (Bassem Dahdouh) الحالة المزاجية الخاصة بالإنسان ومآسيه التي تطغى على تعبيراته وسماتها الفنية الملتقطة من منظور حسي وبتأثيرات المعنى التعبيري الفني القائم على التجارب العاطفية، وفق المصطلحات المتناقضة مع بعضها، ومع ردّة الفعل البشري وانعكاساتها على الجسد ووضعيته إيجابيا وسلبيا، ضمن انطباعات مختلفة بعيدة عن الواقع المادي فنيا، إذ يعتمد دحدوح على المزاجية التعبيرية في رسوماته والقائمة على الكثير من التغييرات في المقاييس والمعايير والألوان، كأن كل لوحة هي إنتفاضة إنسانية بوجه الظلم والاستبداد والكرب الإنساني أو المأساة والفقد والموت والكوارث، بفن ملحمي مؤثّر حسّيا على البصر، وبعمق في أداء ريشة تحفر أوجاعها على لوحة تثير الدهشة بدلالاتها حيث يمكن للبصر سبر أغوار المعاني التعبيرية المشحونة بالتجارب الإنسانية التي يرصدها من خلال الحركة التعبيرية في الخطوط والألوان، وحتى بالاتجاهات ومعانيها وضمن مفهوم المتناقضات كافة. فهل يقدّم لنا دحدوح ملحمة بشرية يرصد من خلالها المعاني الإنسانية التي نفتقدها في ظل الحروب والمآسي؟
تتلاحم الألوان مع الخطوط بإستثناء الظل المثير للجدل في أعماله الميّالة الى التوضيح أحيانا رغم الكثير من علامات الاستفهام التي تبثّها لوحاته القادرة على العصف البصري بالمتلقّي، وكأنه يشهد ولادات المأساة للبشرية في العالم من خلال الازدواجية في مفهومين متناقضين وهما: البشرية ومأساتها، والإنسانية وقدراته على متابعة ملحمة العيش، وبأسلوب ريشة تمارس التحلل اللوني، كما تمارس الخصائص التعبيرية في الألوان الداكنة، ومؤثرات فواتح الألوان عليها، وعلى التعبيرات التي يمنحها انطباعات المشاعر الشديدة العاطفة أو بتعاطف فني يثير الكثير من الاضطرابات النفسية المثيرة لفوضى الكوارث الاجتماعية أو ان صحّ التعبير الفوضى البشرية الناتجة عن القمع والحروب والاستبداد، والتحكّم بمصير الإنسان وماضيه الأوّل، والعبثية المرافقة لمراحل الولادة والانتظار والموت، وبتداخل تتشابك معه تفاصيل الكثير من الأزمات في المفاهيم والفلسفات والحكايا والقصص المفعمة بالخذلان والتشرذم والخوف، وما الى ذلك من تفاصيل قرأنا عنها وشاهدناها، وربما توافقنا معها أو رفضناها، إلا انها في لوحات دحدوح تشكّل فلسفات تشكيلية هي ملحمية في البنية البصرية التي ترتكز على الأحداث البشرية بعيداً عن الإنسانية التي يبحث عنها «باسم دحدوح» تشكيلياً وضمن ثقافة الحاضر والقلق المسيطر على الهواجس الإنسانية وتعبيراتها التي يرصدها في أشكاله الفنية. فهل العبثيات في النظريات الفلسفية تجسّدت في لوحات دحدوح؟
تيه في المنظور اللوني في أعمال الفنان «باسم دحدوح» وخصائصها التعبيرية الميّالة الى إبراز المشاعر القوية إنسانيا، وبتعاطف يؤثر على الاضطرابات البصرية المثيرة للفوضى مستخدما العنصر الدرامي الحسّي، والذي يعكس قيمة التعبيرات في اللوحة من حيث المفردات الفنية ومعانيها المستبطنة من خلال حركة اللون أو حركة الخط الهادئ المستند على الهيكل المادي للإنسان أو البنية البشرية التي تشوّهت أو تأثّرت من حزن أو من موت أو من تآكل أو من زمن تراكمت فيه الحروب، ورموزها التعبيرية المكثفة من خلال الأشكال اللونية وتشويهات التفاصيل الأخرى لخلق أزمة في التغيّرات النابعة من المخاوف والتوترات لتتخذ الأشكال صفات غير مكتملة غالبا أو غريبة في تعبيراتها والنابعة من التقلّب المزاجي المتأثّر بالمخاوف من الحاضر والمستقبل أو أجواء الحروب والنزاعات التي تنذر بتدمير الحضارات الإنسانية وعودة البشرية الى الحضيض، وبهذا تبرز المشكلات الإنسانية في لوحاته عبثية قادرة على الإمساك بالشعور الداخلي مجازيا دون أن تنفصل ريشته عن الأسلوب المرتبط بالهشاشة الإنسانية وخاصيتها التعبيرية الفاقدة لطبيعتها الجمالية. فهل الغموض في هذا الأسلوب يُعزّز الانصهار الملحمي وعوامل الجذب الخاصة بها؟
أعمال الفنان «باسم دحدوح» (Bassem Dahdouh) في غاليري ميشين آرت Mission Art.
dohamol@hotmail.com