بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الأول 2018 12:00ص مفاهيم البناء الإنساني في منحوتات البرتو جيوكوماتي

حجم الخط
يخرج الفنان والنحات «البرتو جيوكوماتي» (Alberto Giacometti) من ظله ذاتيا، مستخرجا من ذلك الأبعاد التخيلية لازدواجية الجسد ومرونته بين المادي والحسي، واشكالية الوجود والعبث او البحث عن حقيقة المادة الإنسانية ومعاييرها التي تمنحه القوة في استمرارية الحياة وتتابعها ، وان بدا ذلك من خلال فلسفة استنطق منها منحوتاته التي يضعها في الفن الإنساني المقارن بين الأنا والتلاشي او بين حقيقة وجودي ووجودي الإخر الذي استمد منه قوة البقاء أو ما يترجم رؤيتي اي رؤيته الذاتية الخاصة.  ولهذا تبدو منحوتاته احادية في ظاهرها وثنائية الابعاد في واقعها ومتخيلها. الا انه يستبدلها بالثنائية في أخرى،وبين نقطتين ترتكز كل نقطة على مفهوم الوجود الدائم للانسان في الحياة من خلال روحه وجماليتها او فكرته الوجودية، وهيكله الذي يساعده على الحركة ويبقى كالظل معه ويرافقه حيث المبتدأ والمنتهى والعودة والرحيل. ربما من يقرأ مقالي هذا يشعر بالخيال المفرط او فلسفة الرؤية الجمالية في منحوتات «البرتو جيوكوماتي». الا انه وضع نفسه في الحياة بشكل مستمر من خلال اشكال منحوتاته التي تجسد ظله الفني ووجوده كإنسان على الأرض عبر المادة، والروح التي تركت هذه الجسد وقدراته عبر نظريات تؤدي لدراستها واستخراج ما هو ذاتي وما هو فلسفي موضوعي، ليستكشف الرائي نقاط القوة والضعف في الإنسان او بالاحرى بين ما هو قوي وصلب وتقوم عليه حياة الإنسان وبين ما يفنى ويبقى.  فهل قدم «البرتو جيوكوماتي»  اعمالا فنية هي مفاهيم البناء الإنساني او اعادة رؤيته من خلال الظل بعد رحيل المادة؟ 
تشفير في الحركة الفيزيائية التي يعتمدها في بناء الأشكال المثيرة للغموض برغم الوضوح النسبي الذي يتركه لاثارة الغموض بشكل أكبر.الا أنه يوحي بوجود الإنسان الدائم فكرياً. أو بالاحرى اهمية الإنسان فيزيائيا من خلال ابتكاراته او من خلال وجوده الأثيري ووجوده كفكرة انبثقت من منظومة الوجود بشكل عام.فلعبة التوازن التي يحوطها غالبا بالكرة او بدائرية تحتاج لخط مستقيم او خط منحنى لجعل التوازن ايقاعا،والعقلانية هي حقيقة وجود الإنسان الذي يستخرج من حياته مفاتيح بقاء سواه. وما التسلسل الهرمي او الزمني للانسان إلا رؤية تجعله اكثر خبرة وثباتا لمفاهيم استنتجها وابقاها قيد الدرس من بعده. معتمداً على مقاييس الطول غالبا أو ما يثيره الظل من امتداد للاشياء من حولنا. وربما هذا منحه رؤية تحتاج للظل والنور وللشكل الذي يرسمه الظل. فيتشكل في مخيلة «البرتو جيوكوماتي» بانسيابية ذات معادلات ما تزال قائمة في منحوتاته التي لو رأينا ظلها عدة مرات متتالية لتلاشت ظلالها كما الإنسان بمعنى امتصاص الضوء للمادة من حيث قدرته على التضخيم او التلاشي، وفي الحالتين المادة موجودة نسبيا بمقاييسها التي انتجها العقل البشري المهووس بالبقاء، والذي يريد نفي الموت او الغياب الكلي من الحياة . فهل حاول جيوكوماتي انتاج منحوتات رغم غرابتها الا انها تحاكي الوجود الاثيري للانسان على الارض وعوامل الضوء المؤثر على خلق الظل ومعنى الوجود دون فناء الأشياء من حولنا. 
هي الأنا والوجود والاخر وعوامل الطبيعة من حولنا في اعمال تشير إلى اهمية التفكر بالمحيط ومؤثراته والسؤال الأهم الظل وما ينتج عنه من اهمية ذات معاني لا يمكن اهمالها حتى من حيث النسب الذهبية التي يظهرها في الكثير من منحوتاته، ان لم نقل كلها تبعا لكل شكل ينبثق عنه المقاييس الخاصة التي تسمح بانتاج آخر، وبأحجام مختلفة ترتبط بالضوء والظل والاختزال الذي تركه في لغة نحتية تشفيرية تستدعي اكتشافها ،وان ضمن الدراسات النحتية لأعماله الموجود فيها فكره او تفكره بظل الانسان على الارض، وبالوعي الحضاري للانسان المرتبط بعموده الفقري او بالجينة وتسلسلاتها وان تركها في رمزية الطول والدائرة ومقاييس الظل في اعماله. 

dohamol@hotmail.com