بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 شباط 2023 12:00ص من نوادرهم (5)

حجم الخط
الصداقة درجات، منها ما يرتفع في سموّه الى أعلى المراتب بحيث تختلط في العلاقة بالكثير من الاخوة والمحبة والوفاء، وان كانت هذه الصداقة نادرة في الوسط الثقافي لكن لا يجوز انتفاء وجودها.
تلك كانت علاقة صداقتي مع العزيزة الراحلة ليلى عسيران التي كانت خسارتي برحيلها جليلة ولا تزال ذكراها ثابتة في وجداني وستبقى رغم مرور السنوات الكثيرة على رحيلها.
وقد يكون ما جمعني بليلى ووطّد العلاقة الى تلك الدرجة عدة قواسم مشتركة من بينها كلّ منا على حدة مشاركتنا في الثورة الفلسطينية عبر أم الثورة حركة (فتح) عند انطلاقها، فليلى التي خلع عليها (أبو عمار) لقب الأخت (خضرا) كان لها الباع الطويل في تلك المشاركة.
المهم وبعد سنوات طويلة على تلك الصداقة وعند صدور روايتي «عروس الخضر» التي تابعتها ليلى عندما نشرت على حلقات في «اللواء» حيث أعمل وما زلت، رحّبت كثيراً بصدورها وطلبت مني أن تنظم حفل توقيع لي على الر واية في منزلها.. ولكني رفضت لأنني كنت وما زلت أرى في ذلك إحراجاً للكثيرين ولا حاجة لمثل تلك المناسبات..
كررت طلبها وكررت رفضي.
وذات يوم دخل الى مكتبي في «اللواء» مرافق زوجها الرئيس أمين الحافظـ وسلّمني رسالة منها وذهب..
فتحت ظرف الرسالة وإذا بداخلها بطاقة دعوة لحضور حفل توقيعي لروايتي في منزلها بتاريخ كذا والساعة كذا.
اتصلت بها محاولاً معاتبتها على هذا الحشر في الزاوية لكنها قالت انني آخر من استلم بطاقة الدعوة، فقد تم توزيعها على الجميع، وهكذا كان الأمر الواقع وتم توقيعي لروايتي في منزلها وقامت هي بالإشراف على تنظيم المناسبة بكل تفاصيلها..
تلك كانت ليلى التي خسرتها والتي عندما تحلّ ذكرى رحيلها أشعر ذلك الشعور المؤلم الذي يواكب فقدان أي عزيز وفق درجات، يبقى رحيلها في أعلى درجات سلم الافتقاد، تلك الرقّة المتناهية والمحبة الكليّة التي تميّز الصداقات العليّة..
وتبقى الصداقة في أعلى مراتب العلاقات الإنسانية سموّاً ورقيّاً حتى وان ندرت..