بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 آذار 2024 12:00ص نضوج تشكيلي لرؤية حياتية في أعمال الفنان أورزاز

حجم الخط
تُشكّل روابط الخطوط في أعمال الفنان المغربي سعيد أورزاز Said Ouarzaz مسودة بصرية لوعي فلسفي تعبيري هو نضوج تشكيلي لرؤية حياتية ذات تعقيدات لها خصوصيتها البصرية الحسّاسة من حيث الشفافية في المحتوى، والأشكال التي تتوالد من تعقيدات الخطوط، أو الإيحاءات التي تثير الخيال، وتمتد إلى جذور الفلسفة، يحوّلها أورزاز إلى حركة لتنشيط الرؤية المتخيّلة متلاعباً بتجريد ما هو إلّا الصراع بين العوالم السفلى والعليا، أو المرئي وغير المرئي، وفي الحقيقة صراع الإنسان مع الوجود والبحث عن الحقيقة من وجوده في هذا العالم. فكل زوبعة في لوحاته هي حركة فلسفية خالدة لا تنتهي، تُمثل رؤية إنسانية يجب أن ينتصر فيها الخير والجمال. فهل تختلط الكوابيس مع الجمال في الفن التشكيلي؟ وهل يشحن أورزاز الفكر ويستفزّه ليتحرر من القلق والعصبية من خلال الفن التشكيلي؟
تشتعل لوحاته في صراعات لونية تصل للذروة بعيداً عن التعرجات في الفكر المتذبذب بين الأنا والآخرين، ويغذّيها بالإيحاءات المختلفة التي تقود المتأمل إلى عمق أفكاره الذاتية، وكأنه يستنبش الآخرين لاكتشاف أنفسهم، ولانتزاع نقطة الشر أو حتى السوداوية في العاطفة، وهذا يتطلب ريشة درامية مضمخة بالذوق الرومانسي رغم تخبطها بين الخطوط والألوان، إلّا أنه يعتبر كل حقيقة للون ما هي ترجمة لحقائق أخرى، وبهذا فإن التعقيد في لوحاته هو تعبير عن صدق الهواجس التي يخافها الإنسان ويهرب منها في واقعه إلّا أنها تترسخ افتراضياً بشبحية جوهرية كتعبير عن الخوف والهروب والكوابيس والموت وبتناقض مع الأمن والأمان والأحلام برفاهيتها والحياة المستقرة غير الموجودة والإنسان على قيد الحياة. فهل ينتزع من فلسفات العقول ما يثيره تشكيليا؟ أم يحاول رصد مشاعره من خلال بناء اللوحة أو ما يريحه بصرياً؟
يبتكر أورزاز في بناء لوحاته، لتكون بمثابة انعكاس لكسر تقاليد الألوان بتضاد يترجمه في صراعات ثنائية، ليتقارب مع مفاهيم «جان بولوك» إلّا أنه غير وحشي في تطلّعاته الفلسفية في التشكيل. إذ تتضح مع الأسود والأبيض، وبعض اللطشات من الأحمر، وغيرها الكثير من الثنائيات التي يستخدمها في الألوان، إلّا أن للعاطفة مصداقيتها النغمية في فسحات الضوء، وإن بدت السطوح كشبكية متلاحمة لا ترى منها العين إلّا التعقيد، ولكنها في حقيقة الأمر هي البحث عن الوجود بمعناه الإنساني والتحدي وجها لوجه مع خبايا النفس التي لا تظهر بسهولة ما لم نتخبط مع أنفسنا في الرسم والكتابة، وغيره من قضايا الفكر الإنساني بشكل أعمق مع الدراما الوجودية ومأساة الصراعات الداخلية مع الأحاسيس المتناقضة. فهل استطاعت ريشة أورزاز إثبات وجودها في هذا النوع من الرسم؟ أم هي جمالية الإيحاء التشكيلي في رسوماته التي تجذب المتأمّل والناقد للوحاته؟
يتفاعل البصر بمقارباته الفلسفية تشكيلياً بالتوازي مع تعقيدات الخطوط التي تساهم في منح الألوان طبيعة جمالية تتناقض مع التقنيات التي يستخدمها في الرسم وتطوراته الجمالية الغريبة في بعض منها لما تترجمه من حدس مأساوي أحيانا، وكأنه يتطلع إلى مدرسة أفلاطونية ينتزع منها الشك ويجعلها مدينة فاضلة بعد أن يستخرج من النفس سمومها من خلال الفن التشكيلي، وكأنه يترك للألوان أن تتنفس مع الضوء والخطوط لملاعبة الظل وللعين البحث عن فراغات أو مساحات تلجأ إليها، لتستريح من المعنى الفلسفي المخبوء في لوحاته وقضاياها المختلفة والتي في مجملها تُشكّل نوعاً من المحاكاة بين الفلسفة الفكرية والفلسفة التشكيلية وأبعاد كل منهما في الفن الجمالي الخاص بالفنان المغربي سعيد أورزاز.