بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

26 نيسان 2019 12:19ص ... حين ننسى أنّه هنا!

حجم الخط
العودةُ إلى الماضي، وتحديداً إلى ما قد فيه، سُمّي طفولةً، ليست مهمّةً للخيال يقودها في رحاب الذاكرة الاسترجاعية؛ بل هي دفقٌ شعوريٌ يستولي على الحاضر المعيش، ويُعيد تشكيلَه في لحظة زمنية مفارقة، تجعل منه علامةً أو أثراً، يجري البحثُ عن عيْنِه المفقودة. فالطفولة في عمومها لا تنفصل عن طابع الفقْد هذا الذي يتّخذ في عمقه الدفين شكلَ الحداد اللاواعي؛ على الرغم من افتقاد طفولاتٍ كثيرة إلى أقنعة اللحظات السعيدة. 
هبْ أنك تبحثُ عن منزل سكنته قبل عشرات السنين، ولكنّك عبثاً تنزل منحدرَ مشاعرك الجيّاشة، لا تصل إليه ابداً، مهما اجتهدت في تقفّي أثره داخل روحك. ترتدّ الروح ساعتئذ خائبةً عن مرآة الخارج، وتتشتّت قواها المستجمَعة بين أحضان ماضٍ لا يحضُر، وحاضرٍ لا يُحضِرُ ماضيَه. في مواجهة الذاكرة ينتصبُ نسيانٌ عنيد، ككرة ثلجٍ يتعاظم، وهو يتدحرج فوق سلَّم الأيام، بقوة وسرعة فائقة، حتى يصير بحجم وطن! ثمّة من يقلب وطناً بأكمله كمن يقلبُ صفحةً في دفتر للرسم. فكيف إن اتّخذه للتعلّم والخربشات؟ صفحاتٌ كثيرة في حياة الشعوب ستُصبح في سلّة المهملات! 
إرادة التمزيق تفردُ أجنحتها حيث يسود التمزّق كل الأشياء، وقد تلبّسها الخطرُ وختَم على قلبها. فبقدر ما تقْبلُ التمزّق وتُعيْن عليه، تكتسب قيمتها العليا. وعلى القمّة، ينهضُ الوطن كغيمة أو بخار متخلخل؛ وهو الأقدر من بين كل الأشياء على التمزّق الأقصى الذي يُعطي للسياسة من منظورنا اللبناني إمكاناتها الفنيّة. فالزعيم عندنا هو قوّة صدْع أي قدرة متفرّدة على الشقّ والتمزيق، ويا للعجبْ، عبر إعادة استدخال الماضي في الحاضر من أجل المصادرة المفتوحة على المستقبل. 
يختبئ كلّ زعيم وراء ماضٍ ما. يريدُنا أن نتذكّر فقط حين ننسى أنّه ما زال هنا! 


أخبار ذات صلة