يحل الشهر المبارك، وتغمر الأرض مع حلوله بركة سماوية تغير انماطاً وتصلح نفوساً وتنسف عادات لتنتج ما يشبه انتصار الروح في معركتها الازلية مع الجسد..
مع انعكاس ذلك على سلوك الفرد ليتحول الامر الى سلوك جماعي، فلهذا الشهر طعمه الخاص ونكهته التي لا تشبهها نكهة ولا تقاربها قيمة، تعيد الانسان الى طبيعته ومن ثم الوصول الى المجتمع المعافى.
ليس كرمضان جامع للوشائج.
وليس كمثله واصل للارحام، وليس كمثله ايضاً مثير للذكريات الجميلة منها العالقة في الذاكرة وكأنها تنفث الطيب.
في رمضان نتذكرهم.. أولئك الذين مضوا... هم معنا.
تلك الايادي الحانية العطوفة والوجوه الانيسة الطيبة التي تنضح حباً خالصاً مجرداً.أتذكر يد أبي الضخمة المعروقة وهي تمسك بيدي في طريقنا الى المسجد القريب لتأدية الصلاة.
أتذكر عجقة أمي قبل الافطار وهي تشرف على اعداد المائدة وكل شاردة وواردة فيها وتأبى الا ان تكون يدها هي الكل بالكل.
أتذكر أبي وتصدّره المائدة والخشوع الذي كان يغمرنا وهو يتلو الدعاء القصير وسط الصمت المخيم.
كم كان وقوراً بتلك الطاقية البيضاء وتلك العباءة البنية الفضفاضة التي ما زلت احتفظ بها لغاية اليوم.
أتذكر اخوتي وانا كبيرهم وهم جلوس بكل اتزان الى مائدة الافطار بعد ان تخلوا عن كل «الشيطنة» و«العفرتة» والحركات الرعناء.
ولا أنسى استفاقتي احياناً ليلاً لأراهما (والدي ووالدتي) وقد اتخذ كل منهما زاوية وانصرف لقراءة القرآن الكريم.
ذلك هو رمضان..
رمضان الجامع.. رمضان الغفران.
رمضان العودة الى الله.