بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 نيسان 2024 12:00ص اللبنانيون منذ 100 عام وعام

حجم الخط
نرى اللبنانيبن، منذ مئة عام وعام،يتحلّقون حول مواقد طوائفهم يحرقون المواثيق والتواريخ لتجحظ عيونهم بحثاً عن البلاهة الوطنية في زوايا العوالم الخارجية وتكون النتائج حطباً محروقاً مرمياً في مستنقعات العالم وشعوباً متشظّية محشزرة فوق أرصفة الأرض وساحاتها وبيوت أقاربهم وأصدقائهم المتهالكة.
نسمع ونقرأ وننام ونموت ونحيا أجيالاً في التخبط والتقاتل الطائفي والسياسي والإجتماعي المقيت ويختلط القول المبطن  والحبر الذي فقد بحره وكأننا الشعب الوحيد في الدنيا الذي أجهض حريّة رفوف الأسماك في البحار والمحيطات التي كنّا نعصر أجسادها لنستخرج الحبر الأول بهدف زراعة الحرية وقطفها وإعلانها ناموساً للديمقراطية في لبناننا والعالم. هكذا يرى العالم الحشري اللبنانيين يختنقون بوشوشاتهم ودموعهم ومياههم القذرة بعدما تعسّلت أوطانهم بأوحال الطائفيات التي لوّثت الأديان والقيم والأخلاق وأخرجتها بصورٍ وأحاديث عارية  حول مساحة وطن حر من سبع طبقات حيّر العالم. وهكذا تتلذّذ الطوائف في لبنان ببسط خيمها وساحاتها وفوقها نزاعاتهم السخيفة وأسلحتهم المستوردة ويُشعلون نيران الكلام والإعلام  في الشرق الأوسط والدنيا مصدّقين عظمة وطنهم الهوائي الصغير الممطوط بين الشرق والغرب، ومع أوّل هبة ريح يُهدّد السقوط حصيرتهم رمّةً من بقايا قشّ محروق كابدناه طويلاً عبر التاريخ  كان آخرها أعراس ال1975  الدموية وقد أحرقت الطوائف الشعوب التي لا تفترق عن بعضها أبداً سوى بالإنتماء إلى إحد الطوائف السبعة.
تستمرّ الطائفة الأولى التي تعتبر نفسها المالكة للبنان بختم الله تحضن عيسى بن مريم في مذودٍ في بيت لحم. جمعوا وطناً من قصبٍ مختلف ومتناثر المواقف والزعامات، وداروا خلف بطرس في العالم. إن نفذ قصبهم، يشحذون عظامهم عكازات لإجتياز الطريق دفاعاً أبدياً عن بكارة ثوب لبنان الأوّل. ترقد ألسنتهم وعظمتهم تحت سترة الباباوات  بينما قدّيسهم يبقى واقفاً على الرصيف يشتاق الى حضنه البكر في المزارات مسكونة بكلّ الفقراء من الطوائف كلّها إيماناً وخشوعاً.
ويعشق أبناء الطائفة الثانية الرحيل الأبدي نحو الكروم البيزنطية وأصقاع موسكو، وقد تجمّد تاريخهم فوق شفتي يوحنا الذهبي الفم في رحلتيه نحو الغرب صيفاً وشتاءً، وهم ما برحوا ينبشون مناجم من حضاراتٍ تتوالد ولا تنتهي لكنها تشيخ كلّها في نهاية المطاف وتقف عند أرصفة التاريخ وهوامش الكتب والمعاجم. هم الذين قلعوا الحجارة الأولى للكنيسة الأولى في الشرق العربي، وما كانوا إلاّ على رصيف السياسة في حياتهم، لكن إذا ما صرخ طفل في القوقاز أو كييف أو في أميون ودمشق يختل الشريان البيزنطي في الشرق كلّه، ولا بدّ لهم من ترتيل نصوصهم بعدما يحركونها ويشكّلونها بنصوص العربية الأولى وحركاتها المستقيمة الخطى.
ويعيش أبناء الطائفة الثالثة شوقاً أبدياً للصحراء الأولى ويقيسون أنظارهم بملايين السنين الضوئية حيث منحهم الله كنوز الأرض وكنوز السماء في كلمته الثالثة الأخيرة. الإمبراطوريات كلّها بنظرهم بما فيها التركية والفارسية وحتّى الجديدة تغيب عنها الشموس إن طغت وتركن قطعاً الى الظلام. يملّح أبناء هذه الطائفة ألسنتهم ونصوصهم بماوحة البحار والصحاري ويخفون مفتاح الكلمة السماوية الثالثة متلفّعين بنظرة أبي بكر قاعداً أبداً في فيء نخلة. يصطفون كما حبوب الرمل فالتاريخ أوّله وآخره صحراء في الشرق ولن تفهم أسرار علاقاته بالغرب أو بجهات الدنيا ولو ساعدهتم رياض الصحراء في تجاوز اليمن السعيد العتيق.
يحشر أبناء الطائفة الرابعة في ضلوعهم كنوز السماء وخير الصحراء خوفاً عليها من برد وطغيان. هم سرّ الشرق وسحره، وشهدوا عناق اللونين الأزرق والبني المذهّب أمام كثبان تهامة. هندسوا التوحيد وأخفوا أسراره في تجويفة رأس عجلٍ كأساس للملاطفة عشقاً للوعورة في القمم وشراسة الإمتداد في الشرق حيث تتيه النصوص. لا بدّ لهم من التخفّي في ألسنة وعقول لا تنكسر فيها القاف أبداً لكنها تنتقل من مكان لآخر بحثاً عن ارتداء القمصان الجديدة. في تلالهم تبني الشمس أعشاشها وتصون أرضها وتضع بيضها فوق التلال الذي لا يسطع ويتكاثر إلاّ فوق عذرية النصوص.
يحمل أبناء الطائفة السادسة الجبّة الملطّخة التائقة أبداً للدماء يشهرونها في وجه الكون مهما تبدّل وتغيّر. المستقبل للكثرة كما يتصوّرون ويصدقون وهذا وهم مكلف، وهم أصحاب حقٍّ يرونه خاتماً لحمياً ينزلق في خنصر العالم في الغرب والشرق وإلاّ التساوي معه والتهديد بعشق الموت. ما برحوا يقعدون فوق عتبة سلمانهم الفارسي وما أدركوا أن الباب ورثه أبو شعيب النميري.
هذا هو تاريخنا يا سادة. طوائف ست أو كلمات ست نقشناها في أساس وطننا وفوق جباهنا ووشوشاتنا في البيوت ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا وقد ملّ العالم من جمودنا في الزوايا .
هناك» طائفة» سابعة كبيرة واقفة على الرصيف بحثاً عن السفن والطائرات للرحيل، ونحن نعلم بأنّ الرقم سبعة لامع في تواريخ الأمم. إنها طائفة الوطن الحر لبناتنا وأولادنا وأجيالنا ومستقبلنا اللاطائفي تُسقطونه وتلعنونه للمرّة الجديدة الألف، وكلّما أسقطتمونه فرّخت أعشاش  المذاهب حقولاً من يباس وحروب لتتجاوز الإحدى عشر طائفة جديدة.
تعالوا نجمع أحرف طوائفنا الأولى لنلعب بوطننا كما أحفادنا فوق رمال الشواطىء في أنحاء الأرض، 
ماذا نجد؟ 
كلمات مثل: دم، سأم، شك، سم، شد ومشاكسة.
كيف ومن يخرج لبنانكم بسبع طبقاتٍ وسبعة مداخل وسبعة مصاعد من مستنقعات الدماء الأبدية؟