بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تموز 2020 11:52ص وباء مصدره الصين.. قتل 10 ملايين بالهند

حجم الخط
على مدار قرون، أسفر الطاعون الدبلي عن سقوط أعداد هائلة من الضحايا حيث فارق هؤلاء الحياة بعد معاناة شديدة مع مرض تراوحت أعراضه أساسا بين ارتفاع درجة الحرارة والقشعريرة والتشنجات العضلية والآلام وتورم الغدد اللمفية وظهور الأدبال وبروز الغرغرينا بالأطراف. وبالقرن السادس ميلادي، عاش العالم على وقع أهوال طاعون جستنيان الذي أسفر عن وفاة نحو 25 مليون شخص وساهم في انهيار الإمبراطورية البيزنطية وبعدها بحوالي 8 قرون واجهت البشرية موجة الطاعون الأسود التي ظهرت بالصين وانتشرت سريعا بمختلف أرجاء العالم القديم وتسببت في مقتل ثلث سكان أوروبا خلال فترة لم تتجاوز 6 سنوات.

وبعد موجات متقطعة استمرت طيلة القرون التالية، عاود الطاعون الدبلي ظهوره مجددا منتصف القرن 19 قادما من الصين ضمن ما عرف بالوباء الثالث لينتشر بكامل أرجاء العالم مخلفا عددا كبيرا من الضحايا.

سجل الوباء الثالث ظهوره بالصين عام 1855 خلال العام الخامس من حكم الإمبراطور شيان فنغ (Xianfeng). فخلال تلك الفترة، أقبل عدد كبير من الصينيين المنتمين لقومية الهان نحو مقاطعة يونان (Yunnan) مستغلين عامل تزايد الطلب على المعادن، خاصة النحاس، بالبلاد. وبحلول العام 1850، سجّل عدد السكان بيونان ارتفاعا مذهلا فقارب السبعة ملايين نسمة. وأمام تزايد عدد السكان وحركة نقل السلع والبضائع وتدهور الحالة الصحية والنظافة بالمنطقة، انتشرت البراغيث التي استقرت على أجسام الجرذان والفئران ونقلت البكتيريا المسببة للمرض للإنسان، بيونان وساهمت بشكل تدريجي في تفشي الطاعون الدبلي بين الأهالي.

وعن طريق تنقلاتهم بين المدن، ساهم المقيمون بيونان في نشر الطاعون الدبلي الذي بلغت نسبة الوفيات به أرقاما قياسية بين الفينة والأخرى. من جهة ثانية، عرفت العقود التالية جملة من الصراعات والحروب الداخلية بين قومية الهان ومسلمي قومية الهوي. وبسبب هذه النزاعات، تنقّل الجنود بين المدن وحملوا معهم المرض الذي رافقهم أينما حلوا مساهمين بذلك في تزايد أعداد الوفيات، فعام 1894 سجلت مدينة كانتون (Canton)، المعروفة حاليا بغوانزو، خلال أسابيع أكثر من 80 ألف وفاة.

لاحقا، امتد الطاعون الدبلي وسجّل ظهوره بمناطق عدّة كغوانغشي وغوانغدونغ وغوانزو وجزيرة هينان، كما سجّل ظهوره بهونغ كونغ التي فارق عشرات الآلاف من سكانها الحياة بسببه.

وخلال أواخر القرن 19، سجّل الطاعون الدبلي ظهوره بالمستعمرة البريطانية بالهند قادما من هونغ كونغ. وقد سجلت أولى الحالات بمدن ساحلية ضمت موانئ هامة مثل بومباي (Bombay)، وانتشرت منها لتبلغ مدنا أخرى مكتظة بالسكان كبونا (Poona) وكالكوتا (Kolkata) وكراتشي ومناطق البنجاب.

ولمقارعة تفشي الوباء، فرضت السلطات البريطانية بالهند جملة من الإجراءات الصارمة فأجبرت كثيرين على القبول بإجراءات الحجر الصحي وعزلت المصابين بمناطق خاصة هيأت لهم كما منعت التنقل بين بعض المدن وحرّمت استخدام طرق العلاج والتداوي الهندية التقليدية القديمة والتي قيل إنها قتلت كثيرا من المصابين. أيضا، اعتمد البريطانيون بالهند على تلقيح الطبيب وعالم البكتريولوجيا الروسي الأصل فالديمار هافكين (Waldemar Haffkine) وحاولوا فرضه على الهنود فساهموا بذلك في احتواء الوباء بشكل جزئي وقللوا عدد الإصابات. من جهة أخرى، تسببت هذه السياسات البريطانية الصارمة في مشاكل مع الهنود تطورت أحيانا لأعمال عنف.

إلى ذلك، أسفر الطاعون الدبلي عن وفاة عدد كبير من الأشخاص كان من ضمنهم أكثر من 10 ملايين بالهند وحدها. وقد سجل هذا الوباء انتشاره ليبلغ مناطق عدة بالعالم فظهر بتايوان اليابانية عام 1896 وبمدغشقر عام 1898 وبلغ مصر وجنوب إفريقيا والبرتغال سنة 1899، كما سجل ظهوره بسان فرانسيسكو وغلاسكو ومانيلا وأستراليا سنة 1900 وبالمستعمرة الفرنسية بتونس عام 1907.

واستمر هذا الوباء في الظهور طيلة العقود التالية متسببا في مزيد من الخسائر البشرية وتحدثت منظمة الصحة العالمية عن انتهائه مطلع ستينيات القرن الماضي مع تراجع عدد الإصابات السنوية به لأقل من 200 حالة.

المصدر: "العربية نت" - طه عبد الناصر رمضان