بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الثاني 2020 12:00ص «عبد الكريم الشعار» غنَّى «أم كلثوم» و«السنباطي» في مترو المدينة

أداء رفيع بمذاقه المميّز يفتح باباً على إمتاع مختلف...

حجم الخط
عبد الكريم الشعار..

طاقة غنائية معجونة بالأصالة والتراث والمشاعر الفيّاضة غير المحدودة في أداء الأغنيات الصعبة لكبار العصر الذهبي لفنوننا المسموعة والتي تحمل أنغاماً خالدة لا تموت.

في حفلته الأخيرة على خشبة مترو المدينة، أدهشنا ولم يعجبنا فقط، خطير أداؤه، وأحسسنا كما لو أنه يتمتع لوحده بالغناء ونحن الحاضرون في الصالة إنما نسترقّ إليه السمع، يغرق في معنى ومرمى الكلمات وأذنه مع النغمات التي أبدعها خمسة عازفين على الأكورديون (جانون) والكمان (خضر رجب) والتشيللو (مكرم أبو الحسن) والقانون (محمد نحاس) وضابط الإيقاع (أحمد الخطيب)، الكل كانوا وحدة متكاملة في تعاملهم مع صوت «الشعار» وهو يؤدّي أغنيتين للسيدة الكبيرة أم كلثوم من ألحان الموسيقار رياض السنباطي: «حيّرت قلبي معاك» (كلمات أحمد رامي) و«ثوار» (صلاح جاهين).

أخذنا معه، سواء في أدائه الخفيض، أو النبرة العالية جداً مع التنغيم النموذجي، يتمايل وهو جالس، ويضع كامل طاقة حنجرته، وأنفاسه في الجملة الغنائية، وكلما شعر بإنسجامه معها أعادها، ثم أعادها ولم يملّ منها مصطحباً السميعة في رحلة إستئناس وسلطنة نعرف من خلالها لماذا كان المطربون والسميعة في ذاك الزمن النبيل والمتفرّد يغنّون بطريقة السلطنة وبأسلوب أقرب إلى الذين أخذوا مادة ما جعلتهم في عالم آخر، مع الأغنية ومعناها ومفاتيح الجمال والسحر فيها.

لهذا الفنان قدرة عجيبة على جذبك إلى مربعه، وسجنك في زوايا مداعبته للأحرف قبل الكلمات، وللأنغام قبل الجملة الموسيقية، إنه يسيطر على اللحن، يأخذه إلى ملعبه، ويقوم بتقطيعه وفق إحساسه، نعم يمتلك اللحن، مع موافقة تامة ومسترسلة من قبل السميعة، وتتحوّل الأغنية إلى صياغة أخرى، وأداء آخر، لكن شرط عدم فقدانها روحها الأصلية الأولى التي صاغها من خلالها الملحن، وإعتمد المطرب أسلوباً خاصاً في أدائها، لكن لكل مطرب إحساسه وفهمه وقدراته الصوتية التي يوظفها خدمة لإحساسه باللحن.

نعم الشعار كان حنوناً جداً في تعاطيه مع كلمات الشاعر أحمد رامي، قلبه كان في حنجرته، قال وقال، تماهى وتأوّه، حتى العبارات تمايلت مع إحساسه، فبدت الأغنية صوتاً وصورة، فيما روح الأغنية ظلّ هو هو، بدليل هذا التجاوب العفوي النموذجي مع سلطنته، وإنغماسه في عمق الأغنية حتى نخاعها إذا صحّ التعبير.

هذا مع الأغنية الأولى (حيّرت قلبي معاك) التي أخذت معظم وقت الحفل، أما «ثوار ثوار» فكان لها طعم خاص، ليس لأن واقع الحال في البلاد «ثورة ثورة» فقط، بل لأن الأغنية مصاغة لحنياً بطريقة تدفع إلى التحفّز، والإنطلاق بل والإصطفاف من أجل التعبير عن مشاعر المشاركة والتأييد دعماً لأفكار الثوار في الساحات.

الأغنية مدتها دقائق قليلة فقط، لكن تأثيرها في الحضور كان مدهشاً، مما أشعل الصالة فرحاً ونخوة ورغبة في رفع القبضات بشدّة كما لو أنها مرسلة للصدم. مهم صوت الفنان الشعار، مهم أداؤه، فقد نستمع إلى الأغنية من صاحبتها السيدة الكبيرة أم كلثوم لكن «الشعار» قالها بنكهة وطعم وتقطيع مختلف، لم يغن كلتا الأغنيتين صورة طبق الأصل عمّا خبرناه وتعوّدناه، أبداً، لقد غنّى النموذجين كما أحبهما، كما فهمهما، كما يحلو له أن يخزِّن معانيهما في ذاكرته وقلبه وروحه، لقد كان «الشعار» كبيراً، ورائعاً، ومبدعاً في أدائه ولا نعتقد أننا سننسى هذه السهرة ولو بعد حين وحين وحين..