بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 حزيران 2022 12:02ص المثلية.. أهمية الإبقاء على المادة 534 في مشروع قانون العقوبات الجديد

حجم الخط
يسعى المثليون لإلغاء المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنص على أنّ «أي مجامعة خلافاً للطبيعة يعاقب عليها بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وسنة واحدة، وبغرامة تتراوح ما بين 200 ألف ومليون ليرة لبنانية»، بعدما رفضت محكمة الجنايات برئاسة القاضية هيلانة اسكندر اعتبار أنّ المثلية لا تشكّل مجامعة مخالفة للطبيعة وفقاً للمعايير المقبولة في المجتمع اللبناني، إذ أنّ العلاقات الجنسية الطبيعية في مجتمعنا هي التي تكون بين المرأة والرجل، وليس بين أفراد من جنس واحد، ولو أراد المشرع مجاراة القوانين الأجنبية لنص على ذلك صراحة، وبوجود النص يقتضي إعماله لا إهماله. وخلصت محكمة الجنايات إلى رفض الاعتراف بحق المتقاضين في التذرع مباشرة أمامها بالقواعد القانونية المكرسة في المعاهدات الدولية، لأن القانون الدولي العام لا يعتبر مصدراً مباشراً لقواعد قانون العقوبات، إلا إذا تبنت قواعده تشريعاً جزائياً داخلياً صادراً عن السلطة التشريعية في الدولة.
وللأسف فإنّ النسخة الأخيرة لمشروع قانون العقوبات الجديد الذي طرحته اللجنة المصغرة لتحديث القوانين عام 2009 يلغي المادة 534، ولكن لم يُبتّ به بعد. ويعتمد على أربعة أحكام شاذة صدرت عن قضاة منفردين جزائيين أعوام 2009 و2014 و2016 و2017 اعتبروا بموجبه أن عبارة «مجامعة على خلاف الطبيعة» الواردة في المادة 534 عقوبات لا تنطبق على فعل العلاقة الجنسيّة الحاصلة بين شخصين من الجنس نفسه، وأنّ القانون لم يحدّد مفهوماً معيّناً للطبيعة أو معياراً يجري على أساسه تحديد مدى تطابق أو مخالفة الفعل للطبيعة ولقوانينها، وأنّه طالما الأمر متروكاً لتقدير القضاء، فإنّهم يرون أنّ الإنسان لم يستطع بعد فهم قوانين الطبيعة بجوانبها كافة، ولا يزال حتى اليوم يسعى لاكتشاف الطبيعة وطبيعته؛ فيما خلص حكم عام 2017 أنّ المثلية هي ممارسة لحق طبيعي وليست جريمة جزائية.
المُعيب أنّ بعض القضاة غاب عنهم أنّ المثلية الجنسيّة هي ممارسة مخالفة للطبيعة، وهي تجاوز بعينه، خارجة عن إطار الفطرة السليمة، وتسيء الى الإنسان والى كرامته. فمن حيث أبسط القواعد والمعايير التي تقودنا في التحكيم السليم، ما قصّ علينا القرآن الكريم قصة قوم لوط، فقال تعالى: «وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ» (الأعراف، الآيتان 80 و81). فلما رفضوا وأصرّوا على شذوذهم، كانت العقوبة: «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ»(الحجر، الآيات 73-75).
نعم المثلية ليست مرضا نفسياً، ولا تستدعي علاجاً، وإنّما هي خيار نتيجة الواقع المتردي في المجتمع بحسب البيانات الصادرة عن اﻠﺟﻣﻌﻳﺔ ﺍﻟﻠﺑﻧﺎﻧﻳﺔ ﻟﻠﻁﺏ اﻟﻧﻔﺳﻲ (LPA) واﻠﺟﻣﻌﻳﺔ ﺍﻟﻠﺑﻧﺎﻧﻳﺔ ﻟﻌﻠﻡ النفس (LPS) والجمعيّة الطبيّة اللّبنانيّة للصحّة الجنسيّة في تموز 2013، وقد حذرنا الله عز وجل في كتابه من خطورة شيوع المنكرات والمعاصي في المجتمعات، وأن ذلك يجذب الفساد، ويُدخل المجتمعات في دوامة من الأزمات المالية والأخلاقية والأمنية والسياسية والبيئية، فقال سبحانه: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ» (النحل، الآية 112). وقد أعلن بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر، موقفه بوضوح في تصريح شهير العام 2012، قال فيه: «إنّ زواج المثليين جنسياً من بين مخاطر عدّة تتهدّد النظام التقليدي للأسرة وتقوّض مستقبل البشرية نفسها». وفي أميركا، نجد ليرتوني بيركن، رئيس مجلس الأبحاث الخاصة بالعائلة يقول، وبكل وضوح: «إنّ العلاقة المشينة التي تربط بين زوجين مثليين تؤدي لتدمير الزواج السوي مما يهدد الجنس البشري بالفناء». وقد سبق للرئيس الأميركي الأسبق نيكسون، أن حذر من انهيار المجتمع الأميركي بسبب الشذوذ، فقال: «إنّ هؤلاء الشاذين يقوّضون أركان المجتمع، وإن الذي أضاع الإمبراطورية الإغريقية هو الشذوذ الجنسي.. وإن الذي هدم الإمبراطورية الرومانية هو انحلال الأباطرة!».
وفاحشة الشذوذ لها أخطار كثيرة على مرتكبيها أولاً والمجتمع ثانياً، تتمثل في الأمراض المستعصية وأخطرها الإيدز وجدري القرود، ناهيك عن خطر إقدام البعض منهم على التحرّش بالأطفال والمراهقين، كما حصل مؤخراً في أحد المدارس والسجون، وكل هذه مؤشرات خطيرة تهدد أمن البلد وأهله. بل لعلّ هذه المؤشرات تشكل التهديد الأكبر في ظل تنظيم عدد من المثليين لحفلات ماجنة سريّة، بينما نحن مشغولون بتأمين رغيف الخبز والدواء والماء والكهرباء والمازوت والبنزين، وغارقين في فساد المنظومة السياسية التي تركت الساحة لكارتيلات الدواء والمحروقات والمواد الغذائية والمصارف وصولاً إلى رفع الدعم كلياً عن مختلف المواد الأساسية دون أية تدابير وقائية أو تقديمات إنقاذية بالترافق مع تهريب الأموال العامة المنهوبة إلى الخارج، دونما رقيب أو حسيب.
ورغم أنّنا كنا نتمنى، أن يشدّد مشروع قانون العقوبات الجديد العقاب على المثليين، ويؤكّد بأنّ المثلية تشكّل مجامعة على خلاف الطبيعة، فوجئنا بإلغاء نص المادة 534 منه، والتي إعادتها تبقى مطلباً رئيسياً في دولة الحق والقانون، حيث أكل الفساد أجزاء منها وعشعش في أروقتها ونفسيّات بعض القائمين عليها. ولكن الخطر الأكبر يبقى بإيجاد بيئة حاضنة لمجتمع ال «ميم»، مع الإشارة إلى أنهم يشكلون خطراً على المجتمع وينشطون لفتح الخطوط تلو الخطوط بغية حثّ أصحاب القرار على تشريع رذيلتهم سائرين بالمجتمع نحو الانهيار وتحطيم ما تبقى من أخلاق حميدة فيه. لذلك، على الجميع حماية أطفالهم وذويهم من هؤلاء، وعدم الاستهانة بهذا الخطر العظيم، الذي بات يهدّد مستقبل أبنائنا.

* محامٍ وأستاذ جامعي