بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الثاني 2023 12:47ص حتى لا يبقى الشعبان اللبناني والسوري تحت رحمة المهرِّبين

حجم الخط
نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الاحد الماضي ان ايران قررت وقف تزويد سوريا بالنفط، الأمر الذي سيفاقم الوضعين الاقتصادي والمالي المتعثرين في سوريا، كما سيفاقم من الأزمة الحياتية التي يواجهها الشعب السوري في جميع المناطق الخاضعة لسلطة النظام، بما فيها العاصمة دمشق. سيكون للقرار الايراني تساقطاته السيئة جدا خصوصاً أنه يأتي في فصل الشتاء، حيث يحتاج الناس لمادة المازوت لتدفئة منازلهم، هذا بالاضافة الى ما يحتاجونه من مادة البنزين لسياراتهم، وهي مادة غير متوفرة حتى في محطات العاصمة نفسها في هذه الأيام.
وفقاً لتقرير الصحيفة الاميركية فقد ابلغ مسؤولون ايرانيون نظراءهم السوريين بأن عليهم الدفع بالنقد النادر، مقابل شحنات النفط، مع بلوغ الطلب السوري ذروته في فصل الشتاء، وتطلب طهران الآن سداد النفط سلفاً، بدل تسليمه لها على سبيل «الائتمان» كما درجت العادة في السابق.
سيزيد القرار الايراني من الاضطرابات الاقتصادية والامنية والاجتماعية، لأن سوريا تعتمد منذ عام 2012 على النفط لسد نصف احتياجاتها، منذ ان خسر النظام سيطرته على كل آبار النفط والغاز الموجودة في شمال – شرق البلاد. ويأتي هذا القرار الايراني في وقت اكد فيه وزير خارجية ايران حسين امير عبد اللهيان بعد اجتماعه بالرئيس بشار الاسد يوم السبت الماضي استمرار ايران في تقديم جميع انواع الدعم اللازم للاقتصاد وللشعب السوري. ويُثير تصريح الوزير الايراني تساؤلات عديدة حول نوايا ايران وقدرتها على الاستمرار في دعم النظام بالسلاح والرجال والخبرات والأموال على غرار ما كانت تفعله بدءا من عام 2012 وحتى الأمس القريب. إن الظروف الراهنة التي تواجهها الدولة الايرانية وما ينتج عن العقوبات الاميركية والدولية من عوائق ومصاعب لتسويق النفط والغاز وبالتالي شح التدفقات المالية بالعملات الصعبة نحو الخزينة الايرانية يجعل من المشكوك فيه امكانية وفاء ايران بمثل هذه التعهدات. ولا بد في هذا السياق من الاخذ بعين الاعتبار الضغوط المتواصلة من الشارع الايراني لمدة خمسة اشهر متتالية والتي باتت ترفع علناً مطالبها لتغيير النظام، مع تكرارها لشعار سبق ان رفعته للمطالبة بوقف المساعدات الكبيرة لكل من لبنان وسوريا (لا سوريا، ولا لبنان، حياتي لايران).
تؤكد مختلف التقارير الواردة من ايران بأن أكثرية الشعب الايراني تُعارض بقوة السياسات التي تعتمدها الدولة في تقديم الدعم المالي والسلاح للنظام السوري وحزب الله ومنظمة حماس في غزة، في وقت ترزح فيه اكثرية الشعب الايراني تحت خط الفقر، هذا بالاضافة الى ما تسبب به نظام العقوبات الدولي والاميركي من ضغوط على قيمة الريـال الايراني والتدهور الحاصل في القدرة الشرائية للعائلة الايرانية بعد تدهور قيمة الريـال من 10843 ريـال للدولار عام 2011 الى 41800 ريـال للدولار في مطلع عام 2023.
لم يقتصر الدعم الايراني للنظام السوري على السلاح والرجال وارسال الخبراء الامنيين والعسكريين لإسداء المشورة للقيادة السورية للتعامل مع الثورة، بل تعدى ذلك الى تقديم المساعدات المالية والاقتصادية حيث قدرت هذه المساعدات بـ700 مليون دولار شهريا بدءا من عام 2014، وقدرت القيمة الاجمالية السنوية بما يزيد على 6 مليارات من الدولارات.
ولا يقتصر الانفاق الايراني في سوريا على ما تقدمه طهران للنظام السوري، بل يتعداه للانفاق على برامج اجتماعية ودينية تمتد على 25 او 50 سنة، ولا يبدو ان القيادات الايرانية بشقيها السياسي او الديني بصدد أو قادرة على التخلي عن هذه البرامج الطويلة الأمد.
إذا ما قررت الدولة الايرانية التجاوب مع الحساسية التي يبديها الشعب الايراني حول طريقة استعمال عوائد النفط وتقديمها كمساعدات سخية لسوريا وحزب الله والحوثيين وحماس، فإنه من المتوقع ان تتناول بالدرجة الاولى المساعدات الموجهة لمساندة نظام بشار الأسد. من هنا فإنه يمكن استقراء نتائج قرار ايران بمطالبة سوريا بسداد اثمان شحنات النفط بصورة مسبقة، وليس عن طريق «الإئتمان» على غرار ما كان يجري خلال السنوات الماضية، بأنها ستكون كارثية.
ستشكل التوقعات حول وقف المساعدات الايرانية «السخية» للنظام السوري، وبدءا من قرار وقف شحن النفط الى الموانئ السورية خبراً مشؤوماً يهبط على اللبنانيين، في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشونها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وسيؤدي الأمر الى تداعيات مالية واقتصادية جديدة، في ظل حالة التسيب السائدة على طول الحدود بين البلدين، بحيث تزدهر من جديد عمليات التهريب الكبيرة من لبنان الى سوريا وخصوصاً للمشتقات النفطية والمواد الغذائية، والتي يأتي في طليعتها الطحين والخبز. وستؤدي عمليات التهريب هذه الى الإرتفاع الهائل للأسعار، خصوصاً في ظل شح الدولار في الاسواق، وفي وقت تتحدث المصادر النقدية عن وجود شبكات من الصرافين غير الشرعيين الذين يشترون الدولار من لبنان ويشحنونه الى سوريا.
لا بد من تحذير السلطات اللبنانية من خطر فلتان الحدود ومن نتائج انعكاس عمليات تهريب النفط والحاجات الحياتية على مستوى الاسعار، وعلى حياة اللبنانيين، بالاضافة الى ترجيح تسببها بمزيد من التدهور في سعر صرف الليرة، وما يتبع ذلك من جنون للاسعار وتكاليف بقية الخدمات، وخصوصاً ارتفاع كلفة الاشتراكات الكهربائية للمنازل.
لن يكون من السهل على الاقتصاد اللبناني ان يتحمل الانفاق الكبير على النازحين السوريين، بالاضافة الى تحمل نقص المواد والتمويل بالعملات الصعبة الذي ستتسبب به الضائقة الحياتية التي سيشعر بها الشعب السوري في المناطق الخاضعة للنظام.
سيتطلب الوضع الجديد الناشئ في سوريا بعد شح أو وقف المساعدات الايرانية، ان تنفتح السلطات اللبنانية على النظام السوري من أجل تنسيق عملية انتقال البضائع بين البلدين، وبما فيه لصالح الشعبين، وعدم ترك الشعبين تحت رحمة المهرّبين.