بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الأول 2020 12:02ص الإنتخابات الأميركية والمرآة اللبنانية

حجم الخط
الانتخابات الاميركية كانت بمثابة استفتاء عالمي حول سياسات قادة القرية الكونية مع وباء كورونا بعد انكشاف مستوى الهشاشة والضياع بين مناعة القطيع او سلامة الافراد، وجاءت النتيجة انه لا تقدم ولا ازدهار ولا استقرار الا على اساس احترام سلامة الأفراد، وان القرية الكونية بحاجة الى مراجعات عميقة لإنتاج (اتفاقية وستڤاليا عالمية جديدة) بين الشعوب والاديان والأعراق والثقافات والخروج من اوهام القوة والتسلط وانتهاك حقوق الأعراق والمعتقدات والثقافات والفقراء، وهذا ما أظهرته توجهات السياسة الخارجية للرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن لجهة واقع أزمات النظام العالمي الاقتصادية والأمنية والمناخية والصناعية وضرورة المراجعات من اجل ترميم العلاقات مع اوروبا والصين وروسيا وكوريا والناتو واميركا الجنوبية وأفريقيا واسرائيل وايران وتركيا والخليج والقضية الفلسطينية.

دخلت اسرائيل بعد انتخابات اميركا مرحلة من المراجعات الشكلية لتجاوز ما ارتكبته من تشريد ومجازر وحروب واحتلالات وتقويض اسباب الامان والاستقرار، وإسرائيل تعرف أنها غرست الالم والمرارة في نفوس شعوب الجوار الفلسطيني والسوري والأردني والمصري واللبناني، وتعرف اسرائيل ان السلام مسألة حدودية سيادية بين الدول والتطبيع قضية مجتمعية وان تضميد جراح مجتمعات الجوار عملية بالغة الصعوبة والتعقيد، واسرائيل تعرف انها أسست كيانها على المظلومية والارتكابات الاوروبية بحق اليهود ومعاداة السامية والهولوكوست والإبادة الجماعية والتي تحرص على احيائها في الذاكرة الفردية والجماعية الاسرائيلية، وتعرف ايضا ان ما ارتكبته من هولوكوستات بحق مجتمعات الجوار العربي اصبح مزروع في الجينات وان انتزاعه يحتاج الى ما هو اكبر من المراجعات الشكلية والمهارات الاستعراضية الاسرائيلية.     

ايران وتركيا دخلتا ايضاً بعد انتخابات اميركا في عملية مراجعات كقوتين طامحتين بالتموضع الاستراتيجي في المنطقة عبر الانخراط في ازماتها ونزاعات مكوناتها المجتمعية الطائفية والمذهبية والعرقية، والشعوب المفككة والمنهكة في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين تعيش حالة مراجعات دائمة حول تأثير طموحات ايران وتركيا على استقرارها وانتظام مجتمعاتها ودولها ويتطلعون الى توليد نخب شبابية وطنية عقلانية قادرة على مراجعة الخواء الاستراتيجي العميق بشجاعة وموضوعية والتفكير بتنقية التراكمات الداخلية والتداخلية لدى شعوب دول الشام القديمة، التي تعيش الان حالة من التهيب الشديد بعد الانتخابات الاميركية وتداعيات أيامها الانتقالية والمتزامنة مع تطورات امنية وعسكرية وسياسية خطيرة قد يكون لها انعكاساتها على الاستقرار الهش في المنطقة.

لبنان قد يكون المرآة الأوضح لتظهير واقع المنطقة ما بعد الانتخابات الاميركية ، فالأزمة الاميركية مع ايران حاضرة في لبنان في حالات النزاع والاتفاق والعقوبات والاغتيالات ولبنان يحتضن الازمة السورية بكل تداعياتها وتحولاتها وتموضعاتها الروسية والاقليمية والدولية، وكذلك الأزمات العراقية وتأثيراتها على التوازنات اللبنانية بالإضافة التموضعات الدولية والاقليمية حول غاز شرق المتوسط، ولبنان مختبر تجارب المحاكم الدولية في الجرائم الإرهابية والعقوبات الاميركية على رموز الفساد الظاهرتين اللتين ستجتاحان المنطقة في السنوات القادمة وكذلك وجود القوات الدولية المتعددة الجنسيات وايضاً الشروط الاميركية على التوليفة الحكومية والعملية التفاوضية الحدودية، والمبادرات الفرنسية والصناديق والبنوك الدولية والعربية والأنشطة الصباحية والهمسات الليلية لسفراء الدول الأجنبية والعربية والمنظمات الدولية، مع الحضور الدائم للقضية الفلسطينية التي جعلت من بيروت عاصمة النزاع العربي الاسلامي الاسرائيلي، ورغم خفة وهشاشة الزعامات اللبنانية يبقى لبنان بعد الانتخابات الاميركية  المرآة الأوضح للأزمات والحلول في المنطقة ودوّل الشام القديمة والجديدة. 



ahmadghoz@hotmail.com