بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الأول 2022 12:14ص الحكم بالوكالة والظروف الإستثنائية

حجم الخط
تساءل العديد من الحقوقيين لماذا لم يتضمن الدستور اللبناني نصا يعالج المواضيع الخلافية التي تطرأ هذه الأيام على الصعيدين القانوني والسياسي، والتي تفضي الى حلول ليست دائما واقعية.
فالدستور اللبناني، مثله مثل دساتير الدول البرلمانية الأخرى لم يلحظ مثلا تعريفا لمسألة تصريف الأعمال، ولما هو مسموح، وما اذا كان يحق لحكومة تصريف الأعمال ان تحل محل رئيس الجمهورية المنتهية ولايته.
من المعتقد ان المشرّع الدستوري لم يرد في باله ان يستمر الشغور الرئاسي وقتا طويلا، اي اكثر من شهرين مثلما هو حاصل اليوم. ولهذا السبب ربما لم يتوسع في تعريف مفهوم تصريف الأعمال وانما اكتفى بالإشارة اليه تاركا للإجتهاد الإداري هذه المهمة ومعولا على فطنة السياسيين وحسن نيتهم في تفسير الدستور.
من غير المنازع فيه ان السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات والسهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على اعمال الدولة بكامل أجهزتها المدنية والعسكرية (المادة 65 من الدستور).
ومن المتفق عليه ايضا ان رئيس الحكومة هو من يدعو لعقد جلسة لمجلس وزراء وهو من يضع جدول اعمال الجلسة بعد ان يطلع رئيس الجمهورية مسبقا على المواضيع التي يتضمنها الجدول وعلى تلك الطارئة من خارجه. ولا تكون اجتماعات مجلس الوزراء قانونية الا بحضور ثلثي الأعضاء. اما القرارات فتتخذ بالتوافق والا بالتصويت عليها بأكثرية الثلثين.
معلوم ان الحكومة عندما تستقيل او عندما تعتبر مستقيلة تبدأ فترة تسمى «فترة تصريف الأعمال» وتبقى هذه الفترة حتى تشكيل حكومة جديدة. وقد جرى عرف دستوري ان يكلف رئيس الجمهورية الحكومة المستقيلة البقاء لتصريف الأعمال خشية الوقوع في الفراغ وقد اصبح هذا العرف مبدأ من مبادىء القانون العام وواجب التطبيق.
لكن الدستور اللبناني لم يتطرق الى مفهوم تصريف الأعمال بالتفصيل. وانما تولاه مجلس شورى الدولة. ففي العام 1995 صدر عن هذا المجلس قرار مبدئي ميز بين نوعين من الأعمال: الأعمال الإدارية العامة Actes de gestion اي الأعمال اليومية كنقل موظف مثلا، وبين الأعمال التصرفية Actes de disposition مثل احداث اعباء جديدة او ادخال تغيير جوهري في اوضاع البلاد السياسية والإقتصادية. هذا النوع الأخير لا يعتبر تصريف اعمال.
ان مبرر تصريف الأعمال ودائما وفقا لإجتهاد مجلس الشورى هو ان تطبيق مفاعيل الإستقالة على اطلاقها يؤدي الى الفراغ في الحكم في الفترة التي تسبق تشكيل حكومة جديدة مع ما يترتب على ذلك من تعطيل لأعمال الإدارة الحكومية وتاليا لمصالح الدولة.
لكن الوضع يصبح مختلفا اذا ما طرأت ظروف استثنائية طارئة مثل تلك المتعلقة بالنظام العام وامن الدولة بحيث تكون الحكومة المستقيلة ملزمة باتخاذ تدابير ضرورية تخرج عن مفهوم تصريف الأعمال العادية المسموح لها بها.
لكن ثمة مشكلة تبرز وهي ان الحكومة المستقيلة او المعتبرة كذلك تصبح خارج رقابة السلطة التشريعية لأنها لم تعد تحوز على ثقة البرلمان. لكن بروز الظرف الإستثنائي المكتمل الشروط يسمح لها ان تقوم بأعمال تصرفية تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري وليس لرقابة البرلمان لأنها لم تعد تعمل تحت ظله.
من جهة اخرى ورد في الدستور ان مجلس الوزراء ينوب عن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته في ادارة شؤون البلاد. لكنه لم يحدد ما اذا كان من الواجب ان تكون الحكومة مكتملة الأوصاف او يمكن ان تكون حكومة تصريف اعمال. ولهذا السبب، واحتراما لمبدأ ان الدستور يأبى الفراغ وإن استمرار عمل المرفق العام هو من الأولويات فقد اجيز للحكومة ان تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة عنه من دون ان يميز الدستور بين الحكومة المكتملة وحكومة تصريف الأعمال ولذلك واذا ما توافر شرط الظرف الإستثنائي الطارىء يمكن لحكومة تصريف الأعمال ان تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية مع انها لا تملك هذا الحق في الظروف العادية وذلك تجنبا للمخاطر التي قد تتعرض لها مصالح الدولة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. هذا مع الإشارة الى ان اجتهاد مجلس الشورى اللبناني يقر بنظرية الظروف الإستثنائية.
ان رئيس الحكومة بصفته صاحب الحق بالدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء هو من يقرر الظرف الإستثنائي وقراره هذا لا يصبح نافذا الا بعد الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء .
وهكذا تكون نظرية الظروف الإستثنائية هي المخرج القانوني المتاح لتبرير قيام الحكومة باتخاذ الأعمال التصرفية ولتبرير اجتماع مجلس وزراء نيابة عن رئيس الجمهورية التي تكون ولايته قد انصرمت. اما الحديث عن المراسيم الجوالة كبديل عن اجتماع مجلس الوزراء فهو حل غير دستوري لأن هذه المراسيم لم تصدر نتيجة مناقشات الوزراء ومداولاتهم وفقا لما تقتضيه قواعد الحكم السليمة.

مدعي عام التمييز سابقاً