بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آب 2022 12:05ص الرقص على حبال المطالب التعجيزية!

حجم الخط
لقد شبع الناس كلاماً حول صلاحيات الحكومة المستقيلة، وحول مسألة عدم مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا في منتصف ليلة إنتهاء الولاية الدستورية.
لقد بلغ السيل الزبى بالنسبة لنقمة الناس على صراع الديوك بين كبار المسؤولين، والبلد الغارق في العتمة، والنفايات تملأ الشوارع والساحات، والمياه غائبة عن المنازل، والمحروقات تحرق الجيوب والقلوب، والدواء شبه مفقود رغم كل الوعود.
لا همَّ للمسؤولين سوى التهافت على السيطرة في الحكومة العتيدة، التي ستقوم بصلاحيات رئيس الجمهورية، لأن كل المؤشرات الراهنة تؤكد استبعاد حصول الإنتخابات في موعدها الدستوري، وبالتالي فإن الحكومة العتيدة ستتولى مسؤولية ملء الفراغ في الرئاسة الأولى. 
الوقت أصبح داهماً، عشية الولوج إلى الفترة الدستورية للإستحقاق الرئاسي، والتي حددها الدستور بمهلة شهرين قبل موعد إنتهاء الولاية الدستورية، وبالتالي فإن عملية الولادة الحكومية أصبحت تُقاس بالساعات لا بالأيام، رغم حرص رئيس المجلس النيابي، إعطاء المزيد من الوقت لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف لتسريع مشاوراتهما، قبل البدء بتحويل مجلس النواب إلى هيئة ناخبة، حيث يُصبح من المتعذر  التصويت على الثقة لأي حكومة جديدة. 
حالة المعاندة الطاغية على مواقف فريق بعبدا حوّلت أصحابها إلى أسرى لمواقفهم الشعبوية المعلنة، وسدّت كل منافذ الإختراقات للتوصل إلى صيغة تسوية مقبولة، تؤمن ولادة حكومية مقبولة وسلسة، وتكون قادرة على إخراج البلد من المراوحة المدمرة التي من شأنها أن تقضي على البقية الباقية من مقومات الدولة. 
لا يريد فريق العهد أن يعترف بأنه يقف على شاطئ أفول الولاية الراهنة، وأن الرئيس عادة، يخسر نصف سطوته ونفوذه في  منتصف عهده، ويخسر باقي الرصيد في السنتين اللاحقتين، ليصل إلى السنة الأخيرة فاقداً الهيبة والشكيمة، ويصبح هو في وادٍ وأصحاب النفوذ والسلطة في وادٍ آخر. 
الإعتراف بهذا الواقع من شأنه أن يُخفف على رئيس الجمهورية وفريقه الإندفاعة المستمرة لفرض شروط، وطرح مطالب في التركيبة الوزارية، بعيدة عن معطيات موازين القوى الحالية من جهة، وتفتح الأبواب أمام ولادة حكومية قادرة على تحقيق بعض الخطوات التي هدر فريق العهد الكثير من الوقت في إضاعتها ، بدل المساعدة على تنفيذها، وتحسين صورة العهد اليوم وغداً وعلى صفحات التاريخ، عوض الإستمرار في تسجيل مناسبات الإخفاق والفشل طوال السنوات الماضية. 
بعيداً عن حسابات النقاط في الربح والخسارة بين فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ما يهم الناس وجود حكومة قادرة على تحريك المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي، وتستطيع تلبية شروط البنك الدولي بتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء ورفع التسعيرة الحالية، وتأمين الغاز المصري وإستجرار الكهرباء من الأردن، لتحسين ساعات التغذية بنسب تُريح النفوس المضطربة من فواتير المولدات الباهظة،ومن كلفة المازوت التي فرضت بالفريش دولار في بلد لا يستطيع الناس الحصول على دولاراتهم من المصارف! 
أما إستمرار فريق العهد في الرقص على حبال الشروط والمطالب التعجيزية، وممارسة المزيد من المماحكات والمناورات الغبية، فمن شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً، ويضاعف الأوضاع تدهوراً، ويُفوّت على العهد فرصته الأخيرة للحفاظ على زاوية له في صفحات التاريخ!

دار الفتوى والتصدي للفتن

تصريح سفير إيران الجديد مجتبى أماني المسيء لأعلى مركز روحي إسلامي في الدولة اللبنانية، تعدى بإنعكاساته السيئة مقام دار الإفتاء، ليشكل إفتراءً وتعدياً صريحاً على واقع الصيغة اللبنانية بكاملها. 
دور مفتي الجمهورية ومكانته التي حددتها القوانين اللبنانية، لم تجعل من صاحب السماحة «شيخ سنّة لبنان»، بقدر ما جعلت دار الفتوى مرجعية وطنية لها قدرها وإحترامها عند كل الطوائف اللبنانية، ومنبراً عالي النبرة للوحدة الإسلامية، وراعية دائمة لإجتماعات القمم الروحية بين المسلمين والمسيحيين. 
ودار الفتوى كانت ومازالت الحصن الحصين للتلاقي الإسلامي ــ الإسلامي بمذاهبه كافة، بهدف نبذ الفتن والحفاظ على جمع الشمل، وتنسيق المواقف، وتوحيد الجهود التي تخدم وحدة المسلمين، وتعزز اللحمة بين اللبنانيين. 
لقد صمدت دار الفتوى لأعتى أنواع الضغوط لتغيير مسارها الوطني الأصيل، وإستشهد مفتي الجمهورية الأسبق الشيخ حسن خالد على هذا الدرب الوطني العروبي الطويل، والذي يقوده اليوم بشجاعة صاحب السماحة المفتي الدكتور الشيخ عبد اللطيف دريان. 
يبقى السؤال: هل كلام السفير الإيراني، القادم من أرشيف وزارته، زلة لسان .. أم شرارة لما هو أدهى؟ 
الجواب أن دار الفتوى صاحبة تاريخ مشهود في خوض معارك التصدي للفتن وخذلان أصحابها.. وسلاحها الأقوى دائماً الآية الكريمة: وإعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.