بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 شباط 2021 12:35ص الطيران ضحية الكورونا

حجم الخط
لا شك أن قطاع الطيران هو من أكبر ضحايا فيروس الكورونا حيث كان يشغل قبل الوباء نسبة 3,4% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وسقط الى مستويات لم يشهدها سابقا.  انحدرت ايرادات القطاع 61% في سنة 2020 تبعا لمنظمة الطيران «اياتا». انخفضت ايرادات سفر الأشخاص من 612 مليار دولار خلال 2019 الى 191 مليار دولار في 2020. في الشحن عبر الطائرات انخفضت القيمة من 102 مليار دولار الى 117 مليارا. من أرباح قدرها 43 مليار دولار في 2019 الى مجموع خسائر قدرها 103 مليارات دولار في سنة 2020، بالرغم من تدني التكلفة بنسبة 46% في 2020 نتيجة انخفاض استهلاك الطاقة والعوامل الأخرى من بشرية ومادية. عائد رأس المال انخفض من ايجابي 6% في 2019 الى سلبي 18% السنة الماضية. المناطق الأكثر تضررا ماليا كانت شمال أميركا ثم أسيا فأوروبا. توقعات 2021 تبعا لمنظمة الطيران ايجابية مع ادخال الطعم والخروج تدريجيا من الوباء. الا أننا لن نعود بسهولة الى مستويات ما قبل الوباء وستبقى الخسائر موجودة في 2021 وان يكن أقل من 2020.
قطاع الطيران مهم جدا لوصل العالم بعضه ببعض ولتسهيل التجارة العالمية كما التواصل السكاني. لا يمكن تطوير السياحة العالمية من دون قطاع طيران فاعل وبمتناول المواطن العادي. في العقد الماضي، لم يعد السفر يقتصر على قطاع الأعمال أو على الميسورين بل أصبح بمتناول الجميع مهما كانت الامكانات. يتطور معه قطاع السياحة الذي أصبح شعبيا يقدم خدماته الى كل المواطنين مهما كان دخلهم. سمح قطاع الطيران لملايين الموظفين بالعمل لديه مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. تطورت المطارات والمدن والقرى بفضله أي كان مسببا أساسيا للتطوير الانمائي. طبعا لا ننكر الضجيج والتلوث الذي يحدثه، لكن لا شك الفوائد تفوق بأضعاف المزايا السيئة الناتجة عن التطور الكبير. المعروف عالميا، ان المواطن يتجنب السكن قرب المطارات بسبب الأضرار على السمع ونوعية الحياة بالرغم من أن قطاع البناء يعالج هذه المساوئ دون أن يلغيها.
كان قطاع الطيران يشكل رمزا للدول ولتطورها وكان المواطن يفتخر أن شركة الطيران تمثله وتمثل وطنه.  هنالك فخر خاص تجاه حسن الخدمة والتوسع. هذا الواقع يربط قطاع الطيران بالسياسة وهذا ما يميزه عن قطاعات وطنية أخرى. كيف تغيرت أسواق الطيران حديثا؟ هنالك الرقابة الكبيرة من قبل الدول كما من قبل المؤسسات الدولية هدفها السلامة وحسن خدمة الزبائن بالنوعية والأسعار. المطلوب من شركات الطيران الاستمرار في التجدد والتنويع لأن دورها مهم جدا في تنشيط الاقتصادات والتجارة كما في مساعدة قطاع الأعمال على تحقيق أهدافه في النمو. من مظاهر التجدد هو أن بطاقة السفر أصبحت الكترونية ولم يعد يستعمل الورق. كما أن تثبيت الحجوزات لم يعد مطلوبا، ويمكن الذهاب مباشرة الى المطارات وثم الطائرات. حجم أعمال قطاع الطيران فرض تغييرات كبيرة في أنظمة العمل والخدمات.
قبل الكورونا، كانت شركات الطيران تشغل حوالى 100 ألف رحلة يومية تجارية تحمل 9 ملايين شخص و140 ألف طن من البضائع. مجموع نشاطات قطاع الطيران كان يشكل الاقتصاد الـ21 عالميا في حجمه ومن المتوقع أن يتضاعف خلال العشرين سنة القادمة.  هنالك شركتان كبيرتان لانتاج الطائرات التجارية فوق 120 مقعد وهما ايرباص وبوينغ ويتنافسان في كل شيء بدأ من السعر الى التكنولوجيا والشكل والتصميم. مر قطاع الطيران في فترات صعبة أخرى، أي بعد اعتداء 11 أيلول وخلال الأزمات المالية المتعددة فاستطاع النجاة عبر حسن الادارة وتغيير الخدمات. ما هي العوامل التي تؤثر على القطاع ونموه؟
أولا: المنافسة التي تبقى عاملا مهما جدا في كل الظروف.  وحدها تعطي المواطن حقه في السعر وجودة الخدمة. من دون منافسة قوية، يذل أو يستغل المواطن وتسلب حقوقه. المنافسة لا تكون فقط في الأسعار بل في برامج الخدمة وفي المرونة من ناحية بيع البطاقات واستعمالها في الزمان والمكان والخطوط.
ثانيا: الأسعار حيث تقنية تحديد سعر بطاقة السفر معقدة جدا اذ ترتبط بالتكلفة والخط المطلوب والتوقيت وموقع المقعد وغيرها. لا ننكر أن اسعار بطاقات السفر بالنقد الحقيقي تدنت جدا بفضل الكمية كما المنافسة. ترغيب المواطن بالسفر مهم جدا وذلك عبر برامج النقاط والسفر المجاني في ظروف في معظمها تحددها الشركات. في كل حال، هنالك رغبة عند المواطن للسفر، والطائرة تشكل عاملا مهما في الرحلة. للسفر فوائد مادية ونفسية واجتماعية كبرى.
ثالثا: تحالف الشركات مهم جدا وهدفه تحريك الطلب كما معالجة العرض خاصة فيما يخص التكلفة. بالرغم من أن هذه التحالفات تجعل الشركات تقوى تجاه المواطن الا أنها تسمح لها بالاستمرارية لفترات أطول في خدمة الزبائن وتحقيق الأرباح المشتركة. ما يقلق المواطن أكثر من التحالفات هي عمليات الدمج التي تطال العديد من الشركات والذي من المتوقع أن يرتفع عددها مع الكورونا وبعدها. الدمج يعني عموما اضعاف المنافسة وبالتالي ارتفاع الأسعار.
لا بد من الكلام عن الطيران الخليجي المتميز جدا بخدماته والذي يستفيد من أفضل مطارات العالم في دبي والدوحة والرياض وغيرها من المدن الخليجية. خدمات شركات الطيران الخليجية أصبحت مضرب مثل للطيران النوعي والمتفوق ليس فقط في المنطقة وانما عالميا. هنالك خسائر في 2020 نتيجة الكورونا وضعف حركة الطيران والسفر. في عدد الركاب خسرت شركات طيران المنطقة 73% مما أثر سلبا على النتائج المالية.
أما في لبنان، فمن غير المقبول أن تمتلك الدولة عبر مصرف لبنان طيران الشرق الأوسط حتى لو حققت الأرباح. المنافسة ضعيفة من والى بيروت بفضل الحصرية غير المنطقية على الخطوط الأساسية. تعيينات ادارة طيران الشرق الأوسط تخضع للمعايير المهترئة أي لشروط التوزيع المذهبي والمناطقي وكافة المحسوبيات الفاسدة. أرباح الشركة المحققة على حساب المنافسة يدفعها المواطن من جيبه عبر الأسعار. من المفضل أن يحافظ المواطن على أمواله وينفقها على الأسعار التنافسية التي يجب أن نعتمدها في لبنان. المواطن اللبناني هو دائما الضحية وهذا غير مقبول ويجب أن تتغير العقلية في المبدأ والممارسة.
يعود قطاع الطيران تدريجيا للعب الدور الرائد الذي لعبه سابقا، وذلك مع تعافي الاقتصاد العالمي من المشاكل الصحية والاقتصادية. فرضت الكورونا علينا جميعا الحجر المنزلي وضربت احدى أهم ملذات الانسان وهو السفر للسياحة والانشراح بتكلفة تتدنى بالسعر الحقيقي مع الوقت.