بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تموز 2021 12:02ص الكورونا فضحت «العدالة»

حجم الخط
وضعت الكورونا مشكلة المساواة والعدالة في الواجهة. المساواة كما العدالة متحركتان اذ تتطوران مع الزمن والثقافة والحضارة وبالتالي تحديدهما صعب. عندما نتكلم عن المساواة، يجب أن نحدد في ماذا؟ في الدخل او الثروة أو السعادة أو الحرية أو الفرص أو الحقوق أم في غيرها. تعريف المساواة أيضا متغير من مجتمع لآخر. هنالك فارق كبير بين التعريف الرأسمالي الغربي للمساواة والتعريف الاشتراكي الشيوعي لها. يؤثر مفهوم المساواة على النمو والاستقرار وبالتالي يجب تحديده بدقة عبر القوانين.

الأميركي «توماس جيفيرسون» تكلم عن هذه العدالة عندما كتب الدستور الأميركي في 4 تموز 1776.  تكلم عن المساواة في العيش اللائق والكريم. المساواة في الحرية والحياة وتحقيق السعادة. على الحكومة أن تحترم هذه الحقوق أو تقال. الغريب أن الولايات المتحدة اليوم لا تطبق دستورها، وها هي الانتفاضة تحصل بعد مقتل جورج فلويد منذ سنة والذي فضح المشكلة. أعاد مقتله الى الأذهان الصراع العرقي الخطير الذي لا يقل سوءا عن الصراع الطائفي أو المذهبي. ليست مهمة المساواة في الغنى والذكاء، بل الأهم المساواة في الحقوق وأمام القانون. يعتقد الأميركيون انهم متساوون في الحقوق الاجتماعية بالرغم من الفوارق الكبيرة في الغنى المادي.

لأن المشكلة الصحية تواجه اليوم الجميع، أصبحت القضية هي كيفية مواجهة الجميع لها. أصاب فيروس الكورونا كل المناطق والأعراق والأجناس وبالتالي يجب أن تكون المواجهة واحدة لأن حماية جزء من الشعب لا تكفي حيث العدوى تنتقل. هنالك مساواة في الاصابة وبالتالي يجب أن تكون هنالك مساواة في المواجهة. ماذا ينفع الغنى المادي اذا لم يستطع المريض بامواله الحصول على اللقاح المناسب أو الدواء القاتل للمرض. في كل حال، ليست هنالك حمايات وأفضليات أمام الفيروس حيث أصيب الميسور كالفقير والمدن كالريف والدول المتطورة كالمتخلفة وربما أكثر. تفرض الكورونا عمليا التعاون بين كل الدول منعا لانتشارها اذ أن الحدود لا تحمي.

أصابت الكورونا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فانحدر دخل الأسر كما سقطت ايرادات الصادرات. الدول النفطية الخليجية تنقذ نفسها بفضل الاحتياطي النقدي الذي تمتلك ولا تحتاج للمساعدات، أما الدول المصدرة للعمالة فهي في وضع خطير. التحويلات النقدية الوافدة اليها تشكل 14% من الناتج، فتدنت 20% مما يعمق الفقر في الدول المتعثرة أصلا كالعراق ولبنان وسوريا والسودان. في تلك الدول انحدر الناتج المحلي 7% في 2020 بعد ارتفاع 2,6% في 2019. أما الناتج الفردي فمن المتوقع أن ينخفض من 2900$ في 2018\2019 الى 2100$ في ما بعد تبعا لصندوق النقد. هنالك نقص كبير في عدد الأطباء في تلك الدول أي 8 لكل 10 ألاف شخص بينما المعدل في مجموعة الدول الناشئة هو 14. هنالك أيضا نقص في البنية التحتية كميا ونوعيا، أي في الكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات وغيرها. هنالك أيضا مشكلة غذاء تتطلب تدخل المجتمع الدولي للانقاذ.

برزت خلال الأزمة الصحية أهمية الأنظمة المناسبة.  «بوريس جونسون» قالها صراحة أن النظام البريطاني أنقذ حياته وحياة الألوف من المواطنين. تكلم عن ممرضين اثنين غير بريطانيين سهرا الليل في أدق الأوقات حيث كان يواجه الموت وتم انقاذه بفضل الكفاءة والضمير. مستشاره السابق يشير اليوم الى تقصير كبير في عمله تجاه الكورونا ويقول أنه غير مؤهل للمنصب. هنالك دول نجحت في مواجهة الكورونا بفضل أنظمتها الصحية المتطورة وأخرى عانت من فشل النظام.

أهمية النظام البريطاني انه يشعر المواطنين أنهم متساوون في أهم ما لدى الانسان أي صحته. سئل البريطانيون أي قسم من المجتمع يثقون به، وكانت الاجابة هي الأطباء والجسم الصحي من ممرضات وممرضين وغيرهم. يعتقد البريطانيون أن النظام الصحي يجب أن يكون فاعلا كالنقل الجوي حيث الحصول على سرير في مستشفى يجب أن يكون بنفس سهولة الحصول على مقعد في طائرة. هنالك من يقول اليوم انه لو بدأت بريطانيا في الحجر قبل فترة لوفرت العديد من الضحايا. هل هذا صحيح ومن المسؤول؟

يقول «أمارتيا سن» الاقتصادي الشهير أن المأزق يقع دائما بين هدفين خيرين وليس بين هدف جيد وآخر سيئ. لا يقتصر الموضوع فقط على الاختيار بين الحقوق والايرادات، بل يجب تقييم أي سياسة اجتماعية تبعا لتأثيرها على التضخم والنمو الاقتصادي العام. الطريقة الوحيدة لحل كل هذه الأمور هو الحوار العلني العام كما يقول الاقتصادي الشهير «فرانك نايت». يقول «جايمس بيوكانان» الحائز على جائزة نوبل أن الديموقراطية هي الحكم عبر النقاش والحوار. يتم النقاش العلني الحضاري في المؤسسات أي في المجلس النيابي أو الحكومة أو عبر الوسائل الاعلامية والسياسية المعروفة.

من أبرز الكتب التي عالجت مشكلة العدالة وتوزع الدخل والثروة هي «رأس المال في القرن 21» للاقتصادي «توماس بيكيتي». في العموم هذه الكتب لا تبيع لأنها تقنية وجافة وبالتالي تبقى محصورة في مجتمعات معينة ربما أكاديمية. الا أن كتاب بيكيتي باع 2,2 مليون نسخة مترجمة الى 30 لغة وهذا فريد ويؤشر الى اهتمام المجتمع الدولي بموضوع العدالة والفقر والاستقرار الاجتماعي.

اللغة السلبية التي استعملها الرئيس الأميركي السابق ترامب بشأن الأجناس والأعراق وتجاه الطبقات غير الميسورة حمست المجتمع العادي على الاهتمام بموضوع العدالة. تشير حادثة «جورج فلويد» وما تبعها من تظاهرات ونقاش عام الى عمق المشكلة الاجتماعية في العالم. لا شك أن السياسات الاقتصادية التي اعتمدت عالميا ساهمت في توسيع فجوة الدخل كالسياسات الضرائبية التي عززت أوضاع الأغنياء. كان بعض النظريات يقول أن تخفيض النسب الضرائبية على الأغنياء يدفعهم الى الاستثمار وبالتالي تنخفض البطالة وهذا ما لم يحصل. توسّعت الفجوة وزاد البؤس والفقر في أهم مدن العالم فتحرك الشارع في فرنسا وهونغ كونغ ولبنان وغيرهم. كما وضعت سياسات اجتماعية أضعفت النقابات وبالتالي صوت العمال مما ساهم في اضعاف موقفهم والسماح باستغلال حقوقم.

مشكلة سوء العدالة تفاقمت مؤخرا وان كانت موجودة سابقا. سوء توزع الثروة أخطر وأكبر من سوء توزع الدخل علما انهما مترابطان جدا. كما ان انتقال الثروة عبر الوراثة من دون ضرائب على الثروة والارث، كما ينتقد بيكيتي، يساهم في تجميع الثروة في أسر قليلة. ينتج عن مركزية الثروة نفوذ سياسي كبير يساهم في تعزيز أوضاع الأغنياء. لا ننكر طبعا مساهمة الأغنياء في تمويل العلوم والأداب والتعليم مما يساهم في بناء المجتمعات وتطويرها.