بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2021 08:29ص حزب الله بين التصعيد ومراجعة استراتيجيته

حجم الخط
وضعت المواجهة المسلحة التي حدثت ما بين الطيونة وعين الرمانة يوم الخميس الماضي بنتائجها الدراماتيكية، البلاد أمام مأزق سياسي وأمني لن يكون من السهل تجاوزه، ما أشبه اليوم بالأمس حيث تذكرنا الأجواء المحتدمة بين الثنائي الشيعي وبين حزب القوات اللبنانية بتلك الأجواء التي سيطرت على البلاد بعد حادثة عين الرمانة في نيسان 1975، والتي طالبت فيها الحركة الوطنية المدعومة من فصائل الثورة الفلسطينية بعزل الكتائب على خلفية مسؤوليتها عن الهجوم الدامي على «اوتوبيس عين الرمانة» الشهير. ويبدو اليوم بأن التاريخ يُعيد نفسه، حيث يطالب حزب الله وعلى لسان أمينه العام السيّد حسن نصر الله، ونواب من كتلة الوفاء للمقاومة بحل حزب القوات، وفتح السجلات القديمة لرئيسه سمير جعجع لإعادة محاكمته.

في الواقع، أرسم هذه الصورة القاتمة للوضع الراهن بعد متابعتي لكلام السيّد نصر الله أوّل أمس، ولمقاطع وردت في خطب لنواب من حزب الله، في مناسبة تشييع ضحايا الأحداث الاخيرة ما بين الطيونة وعين الرمانة. واسارع إلى القول بأنه من حق اللبنانيين ان يشعروا بمخاطر الانزلاق إلى فتنة وإلى حرب أهلية جديدة في ظل التصعيد الحاصل في مواقف حزب الله وخصوصاً كلام السيّد نصر الله وطلبه إلغاء حزب القوات اللبنانية والذي يمثل شريحة كبيرة وفاعلة في المجتمع المسيحي، وذلك على غرار مطلب «عزل الكتائب» وما كانت تمثله في الرأي العام المسيحي في عام 1975، وبعد حادثة عين الرمانة.

تظهر مخاطر الانزلاق إلى الفتنة بعد تحوّل الاشتباك السياسي إلى اشتباك أمني بدأ ما بين الطيونة وعين الرمانة، ولكنه مرشّح للتمدد نحو مناطق أخرى، وذلك بسبب «خطوط التماس» القائمة ما بين القوات اللبنانية وحزب الله في مناطق عديدة، تمتد من البقاع الشمالي والأوسط والجنوب وجبل لبنان والضاحية الجنوبية وبيروت، سيؤدي مطلب حزب الله بإلغاء القوات اللبنانية إلى حالة من التوتر بين الجانبين، والتي تنذر بأن يؤدي أي حادث فردي إلى اشتباك مسلح بين المحازبين في الجانبين.

حمّل السيّد نصر الله كلامه يوم الاثنين الماضي رسائل عديدة لم تقتصر على مهاجمة جعجع واتهامه بالسعي لإقامة «كونتون» مسيحي، بل تعدت ذلك لكل الدولة ولكل الفئات اللبنانية دون استثناء، وذلك من خلال اعتداده بقوات حزب الله العسكرية، والتي بلغ عديدها ما يقارب مئة ألف مقاتل، إلى جانب امتلاكها لمائة وخمسين ألف صاروخ، وان الحديث عن وجود هذه القوة العسكرية الكبرى والتي تفوق قدرات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في ظل الظروف الراهنة هي رسالة لتذكير الدولة وجميع القوى السياسية بقدراته وجهوزيته للسيطرة عسكرياً وأمنياً على اجزاء واسعة من لبنان بما فيها العاصمة بيروت، وبما يفوق في سرعة تحركه وفعاليتها عما عرفته بيروت ومناطق جبل لبنان في 7 أيّار 2008.

لكن يبدو جلياً بأنه قد فات السيّد نصر الله بأنه من خلال التشديد على حل القوات اللبنانية، ودعوته لهم «لدينا 100 ألف قاتل، اقعدوا عاقلين وتأدبوا» قد قدّم خدمة كبيرة لجعجع ولحزبه من خلال شد العصب المسيحي، والتفاف الأكثرية المسيحية حوله، انطلاقاً من التأكيد على مطلب استعادة الدولة اللبنانية لسيادتها وقرارها الوطني وخصوصاً في موضوعي السلم والحرب.

يضاف إلى ذلك سيكون لكلام نصر الله صداه في أوساط سنية وشيعية ودرزية وارثوذكسية، بحيث تبدّل من مواقفها الحذرة من جعجع ومن القوات على خلفية ارثها وتاريخها في الحرب اللبنانية، وبما ينعكس تأييداً لمرشحي القوات في الانتخابات المقبلة.

واتهم السيّد نصر الله القوات وجعجع بأنهم يعملون وفق أجندة أميركية وخليجية، والتي تتركز على استهداف حزب الله، في رأينا يمكن لجعجع وحزبه الاستفادة من هذه الاتهامات سياسياً ومالياً، هذا بالإضافة إلى تحويل جعجع إلى رمز لقوى الاستقلال والسيادة بين المغتربين اللبنانيين المنتشرين في القارات الست، والتي يمكن ان تترجم بنتائج إيجابية في صناديق الاقتراع لصالح مرشحي القوات في الانتخابات المقبلة، خصوصاً في حال إقرار مبدأ تصويت المغتربين للمرشحين داخل لبنان.

وكان اللافت في الحديث الأخير الاستفاضة في الحديث عن العلاقات مع الجيش اللبناني، مع التذكير بتفاصيل كل الاشتباكات مع جمهور المقاومة بدءاً من جسر المطار عام 1993 ومروراً بمار مخايل، ووصولاً إلى الطيونة «وقيام جندي بإطلاق النار على المتظاهرين»، في رأينا حاول السيّد نصر الله من خلال هذه المحطة ممارسة ضغوطه غير المباشرة على قيادة الجيش ومديرية المخابرات في موضوع التحقيقات التي تقومان بها لكشف المسؤولين والمتورطين في الأحداث الدامية الأخيرة، وكانت عملية الربط مباشرة وواضحة من خلال الحديث عن متابعته الدقيقة لمسار التحقيق وللاحكام التي ستصدر لاحقاً عن المحكمة. وألمح بوضوح بأنه إذا لم تعجبه الاحكام فسيكون له موقف.

هنا نقول للسيد نصر الله بأن الثقة بالتحقيق وبالاحكام القضائية لا يمكن ان تكون ناقصة أو مجتزأة، بل يجب ان تكون كاملة وشاملة، وذلك انطلاقاً من احترام مبدأ فصل السلطات والذي لا بدّ مع الاعتراف به انطلاقاً من النص الدستوري، ومن الخضوع للقوانين الوضعية لدولة القانون، ولا بدّ هنا من دعوة السيّد نصر الله والرئيس برّي للتراجع عن مطلبهما «قبع» القاضي طارق بيطار من مهمته كمحقق عدلي، والإعلان عن قبولهما بمعالجة موضوع الريبة التي عبّرا عنها من خلال السلطة القضائية والفتاوى التي يمكن ان تعتمدها لمعالجة الخلل في التحقيق في حال وجوده. وكل ما عدا ذلك يعتبر خروجاً على القانون.

تدعو حساسية ودقة الأجواء الراهنة المسيطرة على البلد ان يتحلى الجميع بالصبر والحكمة وحصافة الخطاب السياسي، وذلك درءاً للاستقرار والأمن ومنعاً للانزلاق إلى آتون الفتنة الطائفية.

ولا بدّ في هذا السياق من تذكير الرئيسين عون وميقاتي بالدور الأساسي الذي يجب ان يلعباه من أجل احتواء عناصر التفجير من خلال محاورة الأطراف المعنية بالأزمة الراهنة، ودعوتها لإعطاء فرصة للسلطة القضائية وقيادة الجيش لمعالجة سواء موضوع المحقق العدلي أو استكمال التحقيقات في الحوادث الأخيرة وبالتالي إحالة مطلقي النار على المحكمة العسكرية أو المجلس العدلي في حال رأى مجلس الوزراء بأن المصلحة الوطنية تقضي بذلك.

وهنا لا بدّ من دعوة الرئيس عون إلى لجم الخطاب السياسي لتياره السياسي، ووقف الدعوات التي يطلقها جبران باسيل للاقتصاص من جعجع والقوات. انه خطاب شعبوي، ولن يستفيد منه التيار، بل سيصب إيجاباً في خانة القوات ويخدم بالتالي طموحاتها الانتخابية. ولا يمكن في ظل المسار التصعيدي الراهن ان ينأى رئيس الحكومة بنفسه عن المأزق الراهن، وانتظار الفرصة المناسبة لدعوة مجلس الوزراء للاجتماع ومتابعة بناء خطته الإصلاحية، يبقى من المطلوب بإلحاح ان يُبادر الرئيس ولجنة وزارية محترمة اتصالاتهم بمختلف القوى السياسية من أجل تبريد الأجواء ووقف الخطاب التصعيدي وبالتالي وأد الفتنة.

ولا بدّ ان يُدرك الرئيسان عون وميقاتي مدى خطورة الوضع الراهن، والذي يُهدّد ليس فقط الاستقرار والأمن، بل يُهدّد ما تبقى من مؤسسات الدولة بمن فيها المؤسسات العسكرية والأمنية بالتفكك والانهيار، وبأنه من الضروري والملح تكثيف جهودهما لتدارك التدهور الحاصل لا محالة.

أخيراً اتمنى ان يُبادر السيّد نصر الله إلى تكليف مؤسسة مستقلة للقيام بالاحصائيات اللازمة لاستكشاف مدى التراجع الحاصل في شعبيته بين اللبنانيين، وان تؤدي هذه النتائج لعملية مراجعة شاملة لمواقفه ولاستراتيجية المقاومة وعلاقتها بإيران.