بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 شباط 2023 12:20ص عكار وزحلة ومواطنون في مواجهة السلاح

حجم الخط
لقد  تبارى من حكموا لبنان إنتخاباً منذ عهد الإستقلال أو من سيطروا عليه وصايةً بعد ذلك في إسقاط شمال لبنان من دائرة الإهتمام الرسمي، ليس بالمعنى الخدماتي والرعائي فقط بل بالتعامل معه وكأنه إحدى الإقطاعات التي أُلحقت قسراً بجمهورية رسّمت حدودها بعناية، للحفاظ على نقاء العرق الذي يتحدر منه أبناؤها أو درءاً لتداخلها مع ثقافة لا توازيها في العراقة والأصالة. نستذكر ونفهم قلق الرعيل الأول ــ الذي إصطفاه الفرنسيون لإدارة لبنان ــ من إنضمام طرابلس المدينة العربية الأكثر عراقة على شرق البحر المتوسط إلى الكيان الوليد في ظلّ الصراع على هوية لبنان. ولا نبرّر طبعاً الثأر التاريخي الذي عبّرت عنه الوصاية السورية وأجهزتها الأمنية في التعامل مع محافظة الشمال وعاصمتها طرابلس. ولكن ما لا نفهمه الى جانب الإمعان المستمر في الإفقار وتهميش مقوّمات منطقة الشمال وبنيتها التحتيّة هو إستباحة قراها ومدنها ومرافقها ووضع أهلها في مواجهة مفتوحة مع طالبي نفوذ أُسقطوا عليهم قسراً أو هم شراذم وفلول من ميليشيات منحلة تعيش على حساب سلطة واهنة لا تمتلك الشجاعة لاستعادة منطقة مشرّعة لاستعراضات القوة وتوجيه الرسائل.
لا يمكن مقاربة الجريمة الإرهابية المكتملة العناصر تخطيطاً وتنفيذاً في منطقة الشمال والتي أودت بحياة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي كحدث أمني نجحت الأجهزة الأمنية في توقيف المتورطين به. إنّ محاولة وضع الجريمة في إطار الخلاف العائلي والأسباب الشخصية لدرء ردود الفعل وتجنب التشنج لا يمكن أن يُسقط العناصر الموضوعية التي أدّت الى وقوع الجريمة، فإنتماء الشيخ المغدور الى عائلة أخرى لم يكن ليحول دون وقوع الجريمة وبالأسلوب عيْنه، كما إنّ القول بأنّ كشف المتورطين وتوقيفهم قد حال دون وقوع فتنة مذهبية ليس في محله، فالخلاف لم يكن  مذهبياً !!!
ألم تشكّل تجاوزات وممارسات رئيس البلدية منذ العام 2019 أسباباً كافية لتدخّل الأجهزة الإدارية والأمنية والقضائية المعنيّة بالرغم من ردود الفعل والإحتقان الموجود؟  ألم يكن التدخّل ليحصل لو لم يكن الجاني من أصحاب الحظوة المتمتعين بالتغطية السياسية والأمنية؟ أليس إقتناء هذا الكمّ من الأسلحة التي صودرت من منزل الجاني دليلاً  كافياً على الأريحية والحماية التي يستشعرها بالرغم من جسامة التجاوزات التي دأب على ارتكابها؟
وبالتزامن مع إكتشاف جريمة الشمال المروعة وتوقيف الجناة توقف اللبنانيون أمام جريمة خطف المواطن ميشال مخول من منطقة كسارة والذي أعادته قوة من الجيش الى ذويه بعد ملاحقة الجناة في عمق منطقة البقاع، ودون ذكر أيّة معلومات عن هوياتهم الشخصية!! لم توفر جريمة الخطف مادة حقيقية للتهرّب من السبب الحقيقي لحدوثها فالطابع العائلي للجريمة غير متوفر ولا توجد دوافع سياسية بالطبع، ولا توفر جريمة الخطف أيّ مقدّمات لفتنة طائفية ليُعتد بها، فالشاب المخطوف من منطقة كسارة لا ينتمي الى مرجعية طائفية لديها ميليشيا مسلّحة كما تشير التدخلات الأهلية التي واكبت القضية. 
القاسم المشترك بين الجريمتين هو السلاح المتفلت الذي لا تبرير لوجوده والإنتشار الميليشيوي تحت عناوين واهيّة لن تُفضي سوى إلى إثارة القلق وممارسة السرقة والقتل والهيمنة على حياة المواطنين، فما هو الدور الوطني للسلاح الذي تمتّ مصادرته من منزل رئيس بلدية القرقف أو للسلاح المستخدم في عملية الخطف البقاعية؟ لم يؤدِ السلاح المتفلت في القرقف سوى الى التسلط والقتل وهو لم ينجح في إكراه المواطنين على الرضوخ وإن بأثمان باهظة، والسلاح عيْنه لم يؤد في البقاع سوى الى التحفيز على الجريمة. 
حادثتا الشمال والبقاع ليستا إختباراً لكفاءة القوى الأمنية على مكافحة الجريمة بل هي اختبار لقدرة اللبنانيين على السيطرة والتمسّك بالإستقرار أمام  المزيد من التفلت والفوضى. لم يُستدرج المواطنون الى ردود فعل غير مدروسة ولكن عزوَ الجريمة الى الخلافات العائلية والشخصية في الشمال لم يقنعهم ولم تريحهم رواية الخاطفين المجهولي الهوية في البقاع. يدرك المواطنون في عكار وزحلة كما في كلّ لبنان أنّ السلاح المتفلّت هو السبب الرئيس لحالة الإنهيار الوطني المتفاقمة وللدعوات المتزايدة لتطبيق الفدرالية. لكن السلاح المتفلت لن يقوى على التحوّل الى غلبة سياسية، وفي المشهد السياسي الأوسع لن يقوى على فرض معادلة سياسية على مقاس حامليه. 

Twitter: @KMHamade
khaledhamade@rfcs-lb.org