بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 حزيران 2020 07:11ص لإخماد الشرارة..قبل أن تُشعل الحرائق

حجم الخط
وكأن  ما كان ينقص اللبنانيين غير تحريك النيران الطائفية والمذهبية، حتى «يكتمل النقل بالزعرور»، ويصبح الجميع محاصراً بين الإنهيارات المعيشية والإجتماعية من جهة، والإنقسامات العامودية وما تجرّه من أشباح الفتن والحروب الداخلية المدمرة من جهة ثانية.

 تظاهرة أو فتنة السبت الساخن لا تمت بصلة لإنتفاضة ١٧ تشرين، لا من قريب ولا من بعيد، لألف سبب وسبب، لعل أبرزها أن الأولى ظهرت في أجواء مُلتبسة وموبوءة بشتى الإختراقات الداخلية والخارجية، ونشرت مناخات من الشحن والتوتر في مختلف المناطق، التي كانت حاضنة لثورة ١٧ تشرين. في حين أن الثانية قامت وإستمرت ونجحت في إظهار الجوانب الحضارية للحراك الوطني، من خلال الحرص على سلمية التحرك، وإعتماد الشعارات التي تجمع ولا تُفرق، وإبراز الوحدة الوطنية في أحلى تجلياتها، للمرة الأولى منذ عقود بعيدة.

 ويبدو أن الأفرقاء المتصارعين، رغم حدة التناقضات وتضارب الخيارات الإستراتيجية بينهم، تلاقوا، بشكل غير مباشر، على هدف واحد وأساسي: إنهاء الإنتفاضة من خلال إختراقها وتشتيت شمل مكوناتها، وتيئيس الناس من إمكانية إستمرارها وتحولها إلى حركة ضاغطة على أهل السلطة لتحقيق التغيير المنشود، سواء بالنسبة لإجراء الإنتخابات المبكرة، أو مكافحة الفساد، أو تحقيق الحد الأدنى، على الأقل، من الأهداف التي نادى بها اللبنانيون الذين بقوا في الشوارع والساحات أربعة أشهر، وإلى أن داهمتهم جائحة كورونا.

 الكل يُدرك أن سلاح حزب الله قضية خلافية، على المستوى الوطني أولاً، ولها إمتدادات إقليمية متعددة ثانياً وثالثاً ورابعاً، ترتبط بالصراع الدائر في المنطقة بين أميركا وحلفائها مع إيران ومحورها، وبالتالي فإن سلاح الحزب لم يعد مسألة لبنانية داخلية فقط، بقدر ما أصبح قضية إقليمية معقدة، بعد تدخل الحزب في المواجهات المحتدمة من سوريا إلى اليمن، مروراً بالعراق والبحرين. مما يعني أن طرح هذه المسألة في هذا التوقيت الهدف منه هو التوتير والتصعيد، وتأجيج الخلافات في الداخل اللبناني، في خضم أخطر أزمة مالية ونقدية ومعيشية تنهش في البنية الإجتماعية، وتُنغس حياة مئات الألوف من العائلات اللبنانية.

 وكشفت هزالة تظاهرة السبت، وإمتناع الأحزاب السياسية عن دعمها والمشاركة فيها، سذاجة المصرِّين على إقحام سلاح حزب الله مع المطالب المعيشية، وإصرارهم على تلغيم الحراك لحساب أجندات خارجية، وكأن اللجوء إلى مثل هذه الأساليب المستهلكة كافية لإحراج الحزب، والنيل من رصيده في بيئته.

 وبالمقابل، فقد كانت ردة فعل بعض أنصار الحزب بعيدة عن التفكير بإستيعاب سذاجة تلك المحاولة وإجهاضها، وساهمت الشعارات المذهبية والفئوية التي رددها الشباب في تأجيج أجواء الإحتقان والصدام، التي وجدت فيها أطراف معروفة فرصتها لإشعال الفتن الطائفية في عين الرمانة، والمذهبية في كورنيش المزرعة.

 يمكن القول أن صدامات السبت الساخن كانت بمثابة إختبار وتمهيد للإشتباك الكبير المتوقع على الساحة الداخلية، في حال فشلت المفاوضات غير المعلنة، بين الولايات المتحدة وإيران، ولم يتم التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وإستمرت الإختراقات الحالية للعقوبات الأميركية في لبنان، خاصة بعدما دخل «قانون قيصر» حيّز التنفيذ.

 ولكن هل يجوز أن يبقى أهل الحكم على حالهم من الضياع والتعثر في التصدي لأخطر الفتن التي تهدد وحدة النسيج اللبناني؟

وهل يكفي إصدار بيانات الإستنكار والإدانة، وإبداء النصائح والإرشادات، دون إتخاذ مبادرة على مستوى الأحداث، أقلها الدعوة إلى طاولة حوار وطني لتبريد الأجواء الملتهبة، والتوافق على خطوات محددة لتجنيب البلاد والعباد مغبة الوقوع في آتون حرب داخلية جديدة ولحساب أجندات خارجية مُلتبسة؟

وهل سيتم إجراء التحقيقات اللازمة لكشف ملابسات ما حصل، وتحديد من يقف خلفه من أطراف محلية وجهات خارجية؟

لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يبقى في موقع المتفرج من بعبدا على ما يتهدد السلم الأهلي في بيروت والمناطق الأخرى..، كما لا تستطيع الحكومة أن تدفن رأسها في الرمال الباردة، وتكتفي ببيانات الإستنكار الصادرة عن رئيسها؟

الوضع المتفجر أصبح من الخطورة ما يستوجب تحركاً فورياً وعلى أعلى المستويات الرسمية والسياسية والحزبية، ليتحمل كل مسؤول منهم مسؤولياته الوطنية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن .

 لقد علمتنا التجارب المريرة في لبنان أن الشرارة التي لا يتم إخمادها فوراً، تُشعل الكثير من الحرائق التي لا يعود من الممكن السيطرة عليها!