بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 نيسان 2022 02:18م لبنان … مكب اوبئة سلطوية

حجم الخط

تعيش المنطقة حالة من الارتياب الاجتماعي والعسكري والامني والسياسي نتيجة التحولات الاستراتيجية، بعد ان اصبحت اوكرانيا اشبه بمدينة (يوهان) الصينية التي انطلق منها فيروس كورونا ليجتاح العالم باسره، حيث لا تزال البشرية تعاني من تداعياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية في الدول الكبرى والصغرى والغنية والفقيرة على حد سواء، ونستطيع ان نجزم بان يوم ٢٤ شباط ٢٠٢٢ هو اليوم الذي انطلقت فيه الحرب العالمية الثالثة من اوكرانيا بانماط  وأدوات مغايرة للحروب العالمية الاولى والثانية بحيث يتم اختبار اسلحة جديدة فوق عسكرية من القوة الاقتصادية العقابية الى المعلوماتية والبترولية والاعلامية والقانونية والديموقراطية.

خلال شهر واحد شهد حلف الناتو عملية تجديد في بنيته من المنطلقات الى الاهداف والادوات والمهمات والاعضاء والحلفاء والاصدقاء والاعداء، وشهدت فكرة الوحدة الاوروبية عملية اعادة تجديد في اسباب نشأتها الاقتصادية الحكومية وضروراتها المجتمعية بعد ما شاهد المواطنون الاوروبيون الملايين من الاوكرانيين يتحولون خلال ايام قليلة الى لاجئين في دول الجوار الاوروبي، حيث تجددت ذاكرة المأساة الوجودية التي لطالما اعتقد الاوروبيون بانها ذهبت الى غير رجعة بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية وما شهدته اوروبا من مآسي انسانية طالت عشرات الملايين من القتلى والمشردين ودمار مئات المدن وعمليات الاحتلال والاستتباع .

الارتباك الذي تعيشه المنطقة والعالم هو امر طبيعي بعد ما قاله مدير منتدى ميونخ والمتخصص بالامن والحروب والذي انعقد بين ١٨ و ٢٠ شباط ٢٠٢٢، اي قبل اربعة ايام من الحرب الكبرى في اوكرانيا، حيث تحدث مدير المنتدى عن صدمته بوقوع الحرب التي كانت خارج كل التوقعات وبصرف النظر عن المهارات المخابراتية التي لطالما حاولت اعفاء نفسها من المسؤولية الاستباقية كما حدث في كل الحروب العالمية وهذا الامر يعكس نفسه على الكثير من التجارب المخابراتية العالمية التي اصبحت فيها المخابرات سلطات موازية في دولها وباجندات سياسية واقتصادية خاصة بها مما احدث انفصام في سياسات الكثير من الدول بحيث يكون دور المخابرات صناعة اوهام الجمود المجتمعي والتحكم بالحاكم.

ان ارتفاع مستوى الارتباك الامني والعسكري والسياسي في المنطقة هو نتيجة طبيعية لهول التعقيدات والتغييرات التي حدثت خلال اسابيع قليلة، اذ اصبح من المؤكد بان الواقع الاوروبي مغاير تماما لما كان عليه قبل شهر من الان، وهذا ما شاهدناه خلال المناظرة الانتخابية بين الرئيس ماكرون ومنافسته مارين لوبن بحيث ان ماكرون ليس ماكرون ولوبن لم تعد لوبن بعد عودة اليسار الفرنسي الى الحياة مما يؤكد ان فرنسا هي قيد التجدد على المستوى الوطني الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبيئي والاوروبي الاستراتيجي الامني والاقتصادي، مما يجعلنا نسأل اي ماكرون سيكون بعد الانتخابات نحو التغيير او نحو الامام من بعد ان تغيرت الاولويات والشراكات الوطنية والاوروبية والعالمية والشرق اوسطية، ويحاول البعض في المنطقة الرهان على متغيرات الانتخابات النصفية الاميركية على قاعدة تباين سياسات اميركا في المنطقة بين الرئيس الديموقراطي اوباما والرئيس الجمهوري ترامب، في حين ان سياسة اميركا بعد اوكرانيا ستتجاوز الرئيسين اوباما وترامب، وكيفما ستكون نتائج الانتخابات النصفية فان التحديات الاميركية العالمية تحتم على الحزبين الجمهوري والديموقراطي العودة الى تجربة لجنة (بيكر -هاملتون) ٢٠٠٦ لتحديد مصلحة اميركا العليا في عالم ما بعد الحرب العالمية الاوكرانية.

يشهد لبنان حالة من الموت السياسي والاعلامي بعد النكبة الكبرى بانهيار النظام المصرفي وسرقة كل المدخرات وتحويل عموم اللبنانيين الى متسولين صغار قاصرين عن تامين ابسط مستلزمات الحياة، مما افقد نخب الطبقة الوطنية الوسطى القدرة على المراجعة والاستشراف والانتقاد وحرية التعبير وتحديد الخيارات بعد ان اصبح لبنان محاصر بالتجارب الفاشلة الاستيطانية العنصرية والسلطوية المدمرة حيث تقدس فيها سلامة الحكام وتستباح سكينة المجتمعات بالنزوح والتشرد وتبديد الثروات وذلك الفشل حول لبنان عشية الانتخابات النيابية القادمة من واحة ديموقراطية إقليمية الى مكب أوبئة سلطوية .