بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 نيسان 2021 12:02ص لبنان... والمجاعة السياسية ٢

حجم الخط
 
 
يشهد لبنان مجاعة سياسية شاملة وعابرة للطوائف والمناطق والكيانات، نتيجة موت صناع السياسة في لبنان الذين قضوا نتيجة انهيار السياسات الكبرى في العالم والمنطقة خلال السنوات الماضية، نتيجة ظاهرة التفلت من قواعد الانتظام لدى الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية مع الرئيس ترامب، وتداعيات الوحدة الاوروبية مع البريكست وتعاظم التيارات الانعزالية الرافضة للفكرة الاوروبية، بالاضافة الى تداعي منظومات المشروعية العربية الرسمية والثقافية مع انتشار الحروب الاهلية والنزاعات في معظم المجتمعات العربية وانغماس المحيط الاسلامي في تحقيق المكتسبات الوهمية القائمة على امجاد الماضي الوهمية.

شهد لبنان حالات كثيرة من الموت السياسي من موت فكرة الدولة العربية الكبرى في بداية القرن الماضي وموت عصبة الامم ودولة الانتداب وموت دولة الوحدة والاحلاف والاحزاب الايديولوجية وموت تحرير فلسطين من لبنان، وموت اليمين واليسار مع انهيار جدار برلين ومع كل حالة موت سياسي كنا نشهد ولادة حياة سياسية جديدة واستطاع صناع السياسة على مدى عقود ان يمنعوا وصول المجتمع اللبناني الى حالة الموت السياسي، وتميزوا بالقدرة على اعادة تجديد اسباب الحياة في التجربة الوطنية، رغم هول ما كانت تشهده من تداعيات وتفكك مجتمعي وانتشار العنف الاهلي والطائفي. واستطاع صناع السياسة الحفاظ على روحية النظام البرلماني وتأثيره في بلورة الحياة السياسية التشريعية والتنفيذية بالتمديد والتعيين وبالانتخابات المعلبة، واستطاعوا دائما انتاج واقع سياسي وطني تكاملي بين السياسة والاعلام في اطار توازن وتمايز دقيق في الوظائف والمهام وذلك قبل انتشار ظاهرة كل السياسيين اعلاميين وكل الاعلاميين سياسيين والتي أصبحت بمثابة نعوة مفجعة عن موت صناع السياسة في لبنان.

ان الواقع السياسي الحالي الذي نشهد موته هذه الايام كنت قد شهدت ولادته بعد خروج الفلسطينيين وانتهاء الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية وانتفاضات القوات وتلاشي العائلات ورموز الموجة الاولى من الهيمنة السورية وذلك بعد الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢ ونزول القوات المتعددة الجنسية الاميركية والفرنسية والبريطانية في بيروت وانجاز اتفاق ١٧ ايار ١٩٨٣ بين لبنان واسرائيل، وبروز وجوه جديدة من صناع السياسات وانتاج واقع سياسي يقوم على سقوط اتفاق ١٧ أيار وبقاء إسرائيل في لبنان وانتاج فكرة مقاومة الاحتلال والشروع في عملية الانماء والاعمار.

شهد الواقع السياسي الجديد ما بعد سقوط اتفاق ١٧ أيار تحولات ونزاعات وانجازات من انتفاضة ٦ شباط وحرب الجبل الى جنيف ولوزان وتجديد الوصايا السورية، ورفض انتخاب ابن عكار مخايل الضاهر، وصولا الى ليلة الحكومة العسكرية وحروب التحرير والالغاء والحكومتين، ثم اتفاق الطائف والانتخابات الرئاسية والاغتيال وقصف القصور واللجوء والتفجيرات والاعتقالات والانتخابات النيابية وتشكيل الحكومات وانطلاق عملية اعادة الاعمار والانماء وانجاز تفاهمات نيسان، وصولاً إلى الانسحاب الاسرائيلي ودخول لبنان مرحلة جديدة من التقابلات المفاهمية الحادة بين الانتصار والازدهار وصولا الي باريس ١ و٢ ثم الاغتيالات والانسحابات وعودة المبعدين وخروج المعتقلين ورغبات الانتقام وعودة الحروب والسلاح وتعطيل الاسواق والاستحقاقات والصداقات والمساعدات، وصولا الى الهيمنة والاقصاء والاستتباع وصولا الى سياسات عض الاصابع الحمقاء والانهيارات المالية والاجتماعية والامعان في تعميم السياسات السلطوية المسمومة والتي أدت الى موت الواقع السياسي الذي تم توليده بعد سقوط اتفاق ١٧ ايار ١٩٨٣ مما يبقي لبنان في حالة من العجز والخواء والمجاعة السياسية.

(مقال لبنان والمجاعة السياسية 1 نشر في اللواء الغراء

١٨ أيار ٢٠١٩)



ahmadghoz@hotmail.com