بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 تشرين الثاني 2021 08:38ص للرؤساء عيدهم وللناس خيبتهم

حجم الخط
جاء عيد الاستقلال هذه السنة في ظل انهيار كامل للسلطة وللاقتصاد وللنقد، فانعكس ذلك سلباً على حياة أكثرية اللبنانيين، ولدرجة مأساوية تجيز لهم استعادة مقولة المتنبي في قصيدته في هجاء كافور الإخشيدي «عيد بأية حال عدت با عيد». نحن نشكو من حالة فقدان شاعر يطلق الصرخة المدوية في هجاء من هم في رأس السلطات الأساسية، فيدينهم على تغييب روح المسؤولية لديهم، ولتنازلهم عن صلاحياتهم وتغييب كل آليات القرار الوطني، والتنازل عنه لصالح الدويلة، وعلى حساب الدولة وحقوق المواطنين، حتى في تأمين لقمة العيش لهم ولعائلاتهم.

مع تقديري وتفهمي لقرار قيادة الجيش في إجراء عرض عسكري مختصر ومصغر داخل وزارة الدفاع، حيث أني اتفهم دوافعها للاحتفال بالمناسبة الوطنية، والتي يأتي في طليعتها رفض الانحناء أمام ضغط الظروف التي فرضتها الأزمة الاقتصادية والمالية على المؤسسة وعلى العسكريين وعائلاتهم دون استثناء، ولا تفريق بين ضابط وجندي، هذا بالاضافة إلى صيانة الروح المعنوية والحفاظ على الثقة الغالية التي وضعتها أكثرية اللبنانيين بالجيش كرمز للاستقلال وكقوة ضامنة للاستقرار والأمن، خصوصاً في هذه الفترة التي تفككت فيها مختلف مؤسسات الدولة. لكن لا بد لأي عاقل إلا ان يتحفّظ أمام دعوة القيادات السياسية إلى هذا الاحتفال وتكريمها وعزف لحن التعظيم لها، في وقت بات فيه الداخل والخارج يدرك مدى مسؤوليتها عن فشل الدولة وسقوطها، وتبديد أموال ومدخرات جميع اللبنانيين.

ولا بد لي بالمناسبة إلا أن اتوقف أمام الكلمة التي وجهها الرئيس ميشال عون إلى اللبنانيين عشية عيد الاستقلال، والتي جاءت فارغة من كل معاني الاستقلال، ومن فسحة الأمل والوعد بغد افضل للبنانيين، لم يتمكن الرئيس من تقديم أي إنجاز حققه في عهده، مذكراً اللبنانيين بفراغ السلطة خلال فترة وصلت إلى 40 بالمائة من الخمس سنوات لعهده، ولماذا فعل ذلك؟ ولمن يريد تحميل مسؤولية هذا الفراغ في سلطة القرار؟

لو اجرى الرئيس عون تقييما موضوعيا للأمر لأدرك أن المسؤولية الأساسية لغياب مجلس الوزراء تقع فعلياً على سوء أداء تياره السياسي وحلفائه السياسيين، وعلى رأسهم حزب الله، والذي فعل ذلك خدمة لأجندة إيرانية، او من باب فرض هيمنته وزيادة نفوذه السياسي وحماية مصالحه الداخلية والخارجية.

وإني أسمح لنفسي بالتساؤل عن الأسباب التي دعت الرؤساء الثلاثة إلى ركوب سيارة الرئاسة معاً والانتقال إلى القصر الجمهوري، وعقد اجتماع في ما بينهم، إذا كان سيكون هذا الاجتماع فارغاً وخاوياً من أي نتيجة يمكن ان تقود إلى مخرج للأزمة التي افتعلت من اجل تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، في الوقت الذي كان ينتظر اللبنانيون قرارات سريعة وفاعلة تخفف من ضائقتهم المعيشية وتوقف من التهاوي المتسارع لقيمة النقد الوطني أمام الدولار.

أدى هذا الاجتماع بسلبيته إلى مزيد من الخيبة من اداء الرؤساء الثلاثة، وخصوصاً أنه اظهر وبشكل لا يقبل الشك، مدى تمسكهم بمواقفهم السياسية الخارجة عن اي احساس فعلي بروح المسؤولية، التي يجب ان يتحلوا بها في مواجهة الأزمة، خصوصاً بعدما تعمقت بفعل قراراتهم برفع الدعم عن مشتقات الطاقة وعن الدواء وحتى عن الرغيف.

خيّب الرؤساء بغياب أي تصريح يبعث على الأمل بعودة قريبة لاجتماع مجلس الوزراء، وانصرافه إلى وضع الخطة الاقتصادية المأمولة لمعالجة التردي المتسارع للاوضاع المالية والنقدية، والذي لم يسلم من نتائجه الكارثية أحد من الطبقات الفقيرة والوسطى، خيبوا كل الآمال المعقلة على قيام حكومة «معاً إلى الانقاذ» بالمفاوضات اللازمة مع صندوق النقد الدولي والتي من المتوقع ان تأتي ببضعة مليارات من الدولارات اللازمة لمعالجة مصائب الوطن وآلام الناس.

كان من الطبيعي ان تفقد الاكثرية الساحقة من اللبنانيين ثقتها بالمؤسسات الرئيسية وبالرؤساء الثلاثة القائمين عليها، ولم يكن من الممكن ان يكون العيد عيداً وطنياً جامعاً برمزيته للسيادة والاستقلال دافعاً لجموع المهنئين للانطلاق نحو قصر بعبدا لمشاركة رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء الاحتفال بالعيد الوطني، وتقديم التهاني لهم، والتعبير عن آمالهم بتحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار.

أظهرت مناسبة الاستقلال مدى الشرخ الحاصل ما بين الحكام وشعبهم، حيث احتفلت بعض الشرائح من المجتمع المدني بعيد الاستقلال على طريقتها، حيث قامت بعدد من النشاطات والتظاهرات في ساحة الشهداء وفي الشوارع العامة، معبرة بشكل واضح وعفوي عن تعلقها بالاستقلال وبدعواتها لاستعادة السيادة من المعتدين على شرف الوطن وكرامته.

كان من المؤلم والمخزي معاً أن نرى هذه الفرقة القائمة بين الشعب ودولته في يوم الاستقلال، والذي من المفترض أن يكون جامعاً لرموز الدولة، وقادة الرأي مع عامة الناس، وأن ينعكس بإظهار المزيد من وشائج الوحدة، والمزيد من الآمال والتطلعات لغد زاهر، مع شحذ الهمم استعاداداً لمزيد من العطاء.

عندما صعد الرؤساء معاً إلى سيارة الرئاسة وذهبوا للاجتماع في بعبدا، توقعت أن ينتهي اجتماعهم باطلاق مبادرة سارة للبنانيين، تتضمن أولاً دعوة محددة لمجلس الوزراء للاجتماع، وثانياً تظهر مدى حرصهم على استقلالية القضاء ودعمهم للتحقيق العدلي في جريمة انفجار المرفأ، وذلك دعماً لتحقيق العدالة للشهداء والجرحى وجميع المتضررين من الانفجار، ولكن وكالعادة فقد أظهروا عدم حساسيتهم وغياب مسؤوليتهم عن كل المصائب التي حلّت بالوطن، وعن كل الآلام التي يتحملها اكثر من 80 بالمئة من شعبهم.

في ظل هذا الواقع المشؤوم لم يعد من الجائز التساؤل عن اسباب الهجرة الكثيفة للشباب وللكادرات المهنية البارعة إلى خارج البلاد، فقد اجبرهم غياب المسؤولية لدى الحكومة وتردّي مستوى معيشتهم وحرصهم على تأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم للكفر بكل القيم والمثل الوطنية، معتمدين قول الإمام علي بن ابي طالب: «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة».

العميد الركن نزار عبد القادر