بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 أيلول 2018 12:02ص لن تسلم الجرّة كل مرة مع الكويت!

حجم الخط
دحض الإجماع اللبناني الصارخ على استنكار التعرّض المشين لأمير دولة الكويت سمو الشيخ صباح الأحمد محاولة النيل الرخيصة من قامة عربية وإسلامية ودولية كبيرة، يكن لها لبنان كل التقدير والاحترام، ولها في وجدان وقلوب اللبنانيين مكانة مميزة، لن يشوهها افتراء من هنا، أو تضليل من هناك.
نادراً ما تُجمع القيادات الرسمية والفاعليات السياسية والشعبية في لبنان على موقف واحد، خاصة في هذه المرحلة بالذات، والتي بلغت فيها الخلافات بين بعض الأطراف الحزبية ذروتها، ولكن تلاقي الجميع على شجب وإدانة الكلام المسيء ضد أمير الكويت، يعني أن اللبنانيين، كل اللبنانيين، حريصون على الحفاظ على العلاقات الأخوية الناصعة مع الكويت الشقيق، لأنهم يدركون جيداً حجم الدور الكويتي في بلسمة الجراح اللبنانية إبان الحروب الداخلية البشعة، وإثر الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة، فضلاً عن المبادرات الكويتية السخيّة والمساهمات الكبيرة التي قادها الشيخ صباح الأحمد شخصياً في مراحل إعادة الإعمار، والتي كان آخرها بعد حرب تموز المدمرة عام ٢٠٠٦.
والشيخ صباح يعرف جيداً تعقيدات التركيبة اللبنانية وتناقضاتها المنفّرة، منذ كان وزيراً للخارجية الكويتية، حيث ترأس اللجنة العربية لتنظيم الحوار بين الأطراف اللبنانية المتحاربة، وأدت جهوده في تلك الفترة إلى وضع مسودة اتفاق لإنهاء الحرب، وإطفاء النيران المشتعلة في المناطق المسيحية، في ما اصطلح على تسميته «حرب الإلغاء»، وتحولت تلك المسودة إلى ورقة عمل لمؤتمر الطائف، الذي توصل إلى الاتفاق التاريخي بين النواب اللبنانيين لإنهاء الحرب، واعتماد ميثاق وطني جديد أعاد الأمن والسلام إلى الربوع اللبنانية.
ولعل هذه المعرفة العميقة للواقع اللبناني المريض، كانت وراء التعامل الكويتي الحكيم، والمستمد من حكمة الشيخ صباح ومحبته المعروفة للبنان، مع هذه المحاولة المكشوفة للتشويش على العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين، حيث أكد سفير الكويت عبدالعال القناعي إثر لقائه الرئيس سعد الحريري على أن «علاقة الكويت بلبنان علاقة تاريخية متجذرة لا يمكن أن تتأثر بهذه الصغائر وأهدافها الواضحة».
ولكن هذا التفهم الأخوي من جانب الكويت لواقعنا المزري، لا يعفي لبنان، حكومة وقيادات سياسية وحزبية، من العمل الجدي والدائم على صيانة العلاقات الأخوية مع الإشقاء العرب، واتخاذ ما يجب من تدابير رادعة بحق كل من يحاول ضرب مصالح لبنان واللبنانيين مع العالم العربي، خاصة الدول الخليجية، حيث يعمل مئات الألوف من اللبنانيين، وحيث يُصدّر لبنان القسم الأكبر من صادراته الزراعية والصناعية إلى أسواق تلك الدول الشقيقة.
ورغم أن سياسة «النأي بالنفس» بقيت حبراً على ورق في البيان الوزاري لحكومة تصريف الأعمال، إلا أنه من المرفوض التلاعب بهذه المسألة الاستراتيجية، وتوريط البلد في لعبة المحاور المحتدمة، والإيحاء وكأن لبنان أصبح في المحور الإيراني، كما يحلو لبعض المسؤولين الإيرانيين أن يرددوا من وقت إلى آخر.
إن الإجماع اللبناني على إدانة واستنكار التهجّم على الكويت والإساءة لأميرها سمو الشيخ صباح الأحمد، يعتبر بمثابة استفتاء سياسي ووطني عفوي على الخيارات والمواقف التي يتمسّك بها لبنان، الرسمي والسياسي والشعبي، والنابعة من الانتماء والمصالح مع الإشقاء العرب، من دون أن يعني ذلك الرغبة بالدخول في دوامة الصراعات الدائرة في المنطقة، ولا السماح، في الوقت نفسه، بتحويل لبنان مرة أخرى إلى ساحة لتصفية الحسابات الخارجية على أرضه، وعلى حساب البقية الباقية من مقومات صمود شعبه، في هذه الدوامة المتسارعة نحو الانهيار الاقتصادي.
 بقيت كلمة لا بد منها لأصحاب العقول الحامية:
قد تكون هذه الغيمة التي ظللت الأجواء مع الكويت مرّت على سلام، بحكمة وروح التسامح التي أظهرها سمو الشيخ صباح تجاه لبنان، تماماً كما مرّت غيرها من غيوم وأزمات، بما فيها محاكمة الخلية الإرهابية، ولكن هذا لا يعني أن «في كل مرة تسلم الجرّة»، على حد قول المَثَل اللبناني الشهير!
صلاح سلام