بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تموز 2019 12:06ص منطقة المنكوبين «مَنسِيّة».. أبناؤها «يأكلون القطط»

يعملون على تسليك فيضان الصرف الصحي يعملون على تسليك فيضان الصرف الصحي
حجم الخط
يُخطئ مَنْ يظن أنّ أحداً من السياسيين لم ينفّذ سابقاً جولات انتخابية داخل منطقة المنكوبين، مستجدياً أهلها في سبيل «كسب الود، ومن ثم نيل الصوت في صناديق الاقتراع».

ويُخطئ مَنْ يظن أنَّ هؤلاء السياسيين أنفسهم يعودون لزيارتها بعد نيل الثقة، بهدف رفع الضرر عنها، وتقديم المساعدة لأبنائها، الذين يرزحون تحت نير فقر «موحش»، سببه بالدرجة الأولى البطالة المستشرية، وانعدام أي اهتمام بهم من قِبل الدولة.

وهنا نذكر على سبيل المثال، أنّه كانت لمنطقة المنكوبين مدرسة رسمية، تضم جميع أبنائها، لكن بسبب الجولات القتالية، تحوّلت المدرسة إلى مركز للجيش اللبناني، دون الانتباه إلى أنّ الأطفال الذين حُرِموا من مدرستهم، لم يتوجّهوا إلى غيرها، بسبب عدم قدرة الأهالي على إرسالهم إلى مدارس بعيدة عن المنطقة، ما يعني «تسرّب مدرسي يزيد في الطين بلة!!!». 

وإلى جانب ذلك، تبرز قضية «بطاقة العائلات الأكثر فقراً»، التي كانت وزارة الشؤون تمنحها للغالبية العظمى من أهالي المنكوبين، لكن هم حُرِموا منها هذه السنة لأسباب يجهلونها، ما يعني المزيد من المأساة، وتراكم الأزمات التي قد لا تحمد عقباها، فيما لو لم تكن هناك تدخلات سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. 

سابقاً كان الأهالي عمالاً ينخرطون في كل ما من شأنه تأمين «المردود المالي»، لكن وبسبب العمالة السورية، تم الاستغناء عن قسم كبير منهم، إنْ لم نقل غالبيتهم، خاصة أنّهم يشدّدون على تأمين الضمان، فإذا بالعامل السوري يرضى بالراتب المتدنّي، ومن دون ضمان، وبهذا خسر أبناء المنكوبين أي فرصة للنجاة، فكانت الطامة الكبرى، رجال بلا عمل، أبناء بلا مدارس، وبيوت بلا معيل، وشوارع بلا اهتمام بلدي، ودولة غائبة عن القيام بدورها، إلا في حال البحث عن مطلوبين أو توجيه أصابع الاتهام لأبناء المنكوبين واتهامهم بالفوضى، وسوقهم الى العدالة، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل المنطقة وأبنائها؟، وكيف يمكن للدولة «الأم» أنْ تحاسب «أبناءها»، الذين حرمتهم من مقوّمات العيش الكريم، ألم يكن من الأجدى لو تلتفت لإليهم قبل التصويب عليهم؟!

بالكاد يمكنك السير داخل «المنكوبين»، طرقات محفّرة، مياه آسنة في الطرقات، الأطفال ينتشرون في كل مكان، هرباً من بيوت الاترنيت، التي درجة حرارتها خانقة. الكل في الشارع في الوقت الذي لا يحظى فيه هذا الشارع بأي عناية من بلديات مولجة به، في السابق كانت بلدية طرابلس، ومن ثم تحوّل الأمر الى بلدية البداوي، ليستقر عند بلدية وادي النحلة، وفي كل الأحوال، فإنّ شيئاً من التقديمات لم يرفع عن كاهلها صبغة «الفقر»، ولم يلغ حرمانها.

أوضاع مأساوية 

{ الحاج علي ابراهيم (من أهالي منطقة المنكوبين منذ 60 سنة) قال: «أوضاعنا سيئة جداً، خاصة منها «المنكوبين التحتا»، التي تتألف منازلها من الاترنيت. بالطبع دخلت جمعيات كثيرة بهدف تقديم المساعدة كالصليب الأحمر وغيرها، لكن كل هذا لا يكفي مع الاهمال المزمن والذي يترافق مع معارك جمة وبالطبع لن يكون آخرها الجولات القتالية فنحن نبقى عرضة لكل الخضات الأمنية».

ورداً على سؤال قال: «الخدمات البلدية معدومة، سواء من بلدية البداوي أو بلدية وادي النحلة، كون المنكوبين تتبع البلديتين معاً، باختصار الطاسة «ضايعة» فكيف بإمكاننا المطالبة بتقديم الخدمات «.

وتابع: «الغالبية الساحقة من أبناء المنطقة بلا عمل، والبعض منهم عمّال ضمن لافاجيت، ما يعني الفقر والعوز يسيطران عليها، كانت هناك لجنة تسعى لنيل المطالب إلا أنها حُلّت، ولم يتشكل غيرها، ما من جهة قيّمة على المنطقة، وفي حال طافت شبكات الصرف الصحي المهترئة أصلاً بسبب قِدَمها فإننا نلجأ لهذا الموظف أو ذاك بغية رفع الضرر، لم نعد نعلّق الآمال على أي جهة سياسية، بعدما اقتنعنا بكذبهم وإنكارهم للجميل، كوننا كنّا نشارك في انتخابهم لكن على من تقرع مزاميرك يا داوود؟».

عالم النسيان

{ من جهته، قال المواطن محمود الحموي: «سكان المنكوبين هم من سكان المدينة، وسجلاتنا من الحدادين والسويقة والزاهرية، بيد أننا نعيش في عالم النسيان بسبب الفقر الذي نتخبط به، ويعشعش داخل المنازل، بعدما تهدمت المنطقة برمتها خلال الحرب، وبالطبع مرّت أحداث كثيرة نلنا منها النصيب الأوفر، كل ما يصيبنا من مشاكل إنّما هو بسبب الاهمال. الكل يتهمنا بالخروج عن السلطة والحقيقة نحن لا نشعر بها إلا من باب ملاحقتنا».


سكن غير شرعي.. في لوحة تشوّه النظر


الأولاد في المياتم

{ زياد شمسين (عاطل عن العمل منذ أربع سنوات، وأب لخمسة أولاد) قال: «لم يعد بإمكاني تأمين لقمة العيش لأولادي، ما اضطرني لإدخالهم إلى ميتم، يأتون إليَّ في عطلة نهاية الأسبوع. ماذا أفعل إزاء هذا الواقع؟ كنت أعمل في شركة خاصة، لكن بسبب النزوح السوري تم الاستغناء عني واستبدالي بعامل سوري».

{ محمود (عاطل عن العمل) قال: «عندي 7 أولاد، لا حول لي ولا قوة، والشكوى لغير الله مذلّة، لم يعد لنا أي أمل في هذه الحياة».

يأكلون القطط

{ أما المواطن أحمد علي الناظر (أب لـ6 صبيان) قال: «كنتُ من ضمن عمّال لافاجيت، لكن بقيت بلا عمل منذ عدّة سنوات، وبسبب وضعي الصعب بات أولادي في الشارع من دون مدرسة، ينتظرون مَنْ يعطف عليهم من الأهالي. أطلب من دولتنا العزيزة تأمين فرص العمل، والحد من العمالة السورية، التي قضت علينا، وإنْ لم يكن ذلك ممكناً فليمنحونا فرصة الهجرة، كونه لم يعد بالامكان الاستمرار في هذه المعاناة. أولادنا يستنجدون لقمتهم، ونحن لا يمكننا تأمينها. هذا أقل ما نطلبه، وأشير الى ان أطفالي وبسبب الجوع لجأوا منذ يومين الى ذبح قطة في الشارع بهدف أكلها وسد جوعهم».

{ علي حيدر (أب لطفلتين) قال: «كنتُ أعمل في أحد الأفران لكن بسبب سجني خرجت لأبقى عاطلاً عن العمل، الحمد لله الوعود كثيرة من قِبل السياسيين بتأمين العمل لنا، لكن هي وعود كاذبة، جل ما نتمنّاه تأمين الوظائف لنا لكي نستر أنفسنا».