بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الثاني 2022 12:10ص لبنان الأسود قبل الطائف..

حجم الخط
يكثر الحديث عن إنجازات الطائف. وما حققه من إنهاء الحرب المريرة، وإعادة السلام والأمن إلى الربوع اللبنانية. ولكن قلة من الأجيال الشابة تعرف كيف كانت عليها أحوال بلد الأرز في خضمّ الإشتباكات المحتدمة، والمعارك الطاحنة، التي كانت تتنقل من منطقة إلى أخرى، موقعة الخراب والدمار، وحاصدة مئات الضحايا والمصابين، فضلاً عن عشرات من المخطوفين والمفقودين.
الواقع أن لبنان قبل الطائف كان بلداً ممزقاً جغرافياً، مُقطَّع الأوصال إجتماعياً، وتنهش الإنقسامات جسد الدولة وإداراتها الرسمية. بيروت تحولت ألى بيروتين يفصل بينهما «الخط الأخضر» على إمتداد شارع الناصرة وطريق الشام وصولاً إلى مبنى المتحف، الذي تكرس معبراً لمرور المواطنين، رغم مخاطر الخطف والقنص التي تُفاجئ العابرين، وتغدر بالابرياء.
الدولة كانت دولتين، رغم أن مساحة السلطة إنحسرت إلى بضعة كيلومترات حول السراي والبنك المركزي في بيروت الغربية، وحول المساحة الخضراء المحيطة بالمقر الرئاسي في بعبدا. حكومتان، وجيشان، ومقران لكل وزارة، ووزارتان للمالية، ومثلها للخارجية والداخلية والإدارات الأخرى.
إلى جانب المعارك الكبيرة بين «الشرقية والغربية»، وما يتخللها من قصف متبادل بشتى أنواع الصواريخ والمدفعية المتوافرة في تلك الأيام، كانت المعارك بين الميليشيات في المعسكر الواحد لا تتوقف، وتتخذ تسميات «مبتكرة»، مثل حرب العلمين بين حركة أمل والحزب الإشتراكي، أو حرب الإلغاء بين القوات اللبنانية وقوات الجيش التابعة لقيادة ميشال عون، وكانت خسائر المعارك المحلية لا تقل ضرراً عن التراشق المدفعي والصاروخي بين «البيروتين»!
مع «حرب التحرير» التي خاضها «الجنرال عون» ضد الجيش السوري في بيروت والضواحي بدأت أزمة الكهرباء المزمنة، إثر إصابة محطات التحويل في بيروت بخسائر مدمرة، نتيجة القصف المدفعي الثقيل(٢٥٥ملم) الذي استخدمه عون في قصف مناطق بيروت الغربية، بدءًا من محلة اليونسكو التي سقط فيها عدد من تلاميذ المدارس، إلى الكورنيش البحري وبقية الأحياء المكتظة بالسكان.
إستمرت الحرب البغيضة ١٥ سنة، حصدت ٢٥٠ ألف قتيل، و١٥٠ ألفاً بين معاق وجريح، وما زال الآلاف من المفقودين مصيرهم مجهولًا، وتم تهجير أهالي قرى بحالها في أكثر منطقة، وقدرت الخسائر بأكثر من ٢٤ مليار دولار.
هذا المشهد الأسود كان مقدراً له أن يستمر سنوات أخرى..، لولا إتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، كما قال الوسيط العربي الأخضر الإبراهيمي في مؤتمر اليونسكو، برعاية وتشجيع من القيادة السعودية، التي حشدت ديبلوماسيتها تأييداً عربياً ودولياً واسعاً لضمان تنفيذه.