بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 آب 2022 12:00ص أنقذوا الأُسَر من الانهيار.. فهو قاب قوسين أو أدنى

حجم الخط
سؤال واضح ومباشر أطرحه على جميع من يرى في نفسه تحمّل المسؤولية:
كيف تربّى هؤلاء المقبلون على الزواج أو الذي تزوجوا حديثا..؟!
ما هي القِيَم والمبادئ والأفكار التي زُرعت في نفوسهم وأذهانهم عن كل ما له علاقة بالزواج..؟!
بل وما هي الأبعاد النفسية والثقافية والفكرية والسلوكية التي أُشربوا معانيها منذ الصغر، حول موضوع اختيار الشريك، وفترة الخطبة، والعلاقة مع أهل الشريك، وعقد القران، والزواج، وتأسيس منزل الزوجية، وطبيعة الحياة مع الشريك، وما شابه من مواضيع..؟!
واسمحوا لنا أن نعترف بأن المجتمع من حولنا يعاني من إعوجاج واضح في هذه المسألة، إذ غالباً ما أهملنا تربية الأبناء على حسن اختيار الشريك، ولا أقصد بالإهمال هنا الإهمال المتعمّد أو المباشر، وإنما أعني الإهمال الذي يتأثر به الأبناء (ذكوراً أو إناثاً) من خلال معايشتهم اليومية لسوء تصرفات الآباء والأمهات مع بعضهم البعض، أو من فساد العلاقة بين الأم وأهل الزوج، أو عداوة الأب مع أهل الزوجة وما يرافقه من حياة متوترة لا تترك إلّا الأفكار السلبية في نفوس الأبناء.
تعدّدت الأسباب والطلاق واحد
فكل ما سبق يعني أننا بصورة مباشرة، وإن كانت غير متعمّدة، نشوِّه معنى ومفهوم الزواج في نفوس وأذهان الأبناء..؟!
فكيف إن أضفنا إليه ما تقوم به وسائل الإعلام من تركيز غير مبرَّر لحالات الطلاق والخلافات الزوجية في المجتمع...؟!
وكيف إن أضفنا إليه أيضا تلك الأصوات التي «تنعق» من هنا أو هناك لتصوّر الزواج وكأنه سجن أبدي، لا بد من تحطيمه «لينعم» الشباب بحريّة العلاقات دون أي إطار محدّد.. سوى «إطار الحرية العبثية»...؟!
وكيف إن أضفنا إليه كذلك النماذج المقيتة والتجارب المؤسفة، التي لا يمكن أن ننكرها رغم قباحتها، وقد يعيشها أحد الأبناء مع والده أو والدته في المحكمة المتخصصة، فيظلم من قاضٍ، أو يتاجر به من قبل كاتبٍ، أو يكون ضحية واسطة قوية، أو حتى يتم استغلاله من قبل محامٍ ماديٍّ جشعٍ..؟!
وكيف إن أضفنا إليه تلك الأفلام والمسلسلات التي تنتج بملايين الدولارات، ولا تروي سوى قصص الكآبة والمشاكل والهموم والحزن والإحباط التي يسببها الزواج، بينما السعادة والفرح والسرور والبهجة والحياة الوردية الحالمة في «المساكنة» و«المصاحبة» واتخاذ العشيقة دون أي ضوابط دينية أو إنسانية أو أخلاقية..؟!
وكيف إن أضفنا إليه، للمرة الرابعة، الأفكار والمفاهيم المغلوطة التي نصرّ على توارثها جيلاً بعد جيل، حول علاقة الرجل بزوجته وبـ«حماته» وأهل زوجته، أو علاقة المرأة بزوجها وحماتها وما شابه..؟!
إذن.. تعددت الأسباب و«التشويه واحد».. فسادٌ وتدميرٌ وخرابٌ وتشويهٌ لكل ما له علاقة بمؤسسة الزواج في نفوس الأبناء، دون أي إلتفاتٍ لسلبية ما تدور من حولنا، ودون أي مبادرةٍ للإصلاح وتنقيةً لهذا الأمر، وأيضا دون توعيةٍ أو إرشادٍ أو توجيه...؟!
ومن هنا نقول أن التربية بما فيها من أسس وقِيَم ومبادئ، هي المسؤول الأول عن تصويب مفهوم الزواج في نفوس الأبناء، وبالتالي فإن الواجب على الأبوين أن يحسنوا العمل بتربية الأبناء خلال مختلف فترات حياتهم، حتى يكونوا في المستقبل أزواجاً ناجحين يتمتعون بنفوس متوازنة وسليمة، وهذا للأسف ما فقدناه على مدى سنوات مضت فكانت النتيجة كما نرى اليوم..؟!
العلاج المطلوب
وهنا، وحتى لا نرمي بالمسؤولية على عاتق الأهل فقط، فإننا أيضاً نرفع الصوت عالياً لنطالب كل مسؤول أيّا كانت مسؤوليته، ودون أي تأخير بالقيام بحملات توعية تزوّد الشباب بالمفاهيم الإسلامية الصحيحة التي تعينهم على معرفة أصول الزواج وكيفية إدارته.
فالمطلوب ندوات ولقاءات ودورات يفتح فيها المتخصصون آذانهم للشباب فيستمعون إلى ما يدور في عقولهم ويقدّمون لهم الحلول الناجحة التي ترسّخ المفاهيم الصحيحة في النفوس لتترجم بعد ذلك إلى أفعال وسلوكيات تضمن لنا حسن بناء البيوت الزوجية في مجتمعنا.
والمطلوب من المدارس أن يخصصوا ساعات في المراحل الثانوية لتعليم الشباب بعضاً من هذه الأصول..
والمطلوب من الجامعات أن ينظموا لقاءات دورية للطلاب مع متخصصين في شؤون الأسرة لإرشادهم فيما يتساءلون عنه.
والمطلوب من المساجد أيضاً إقامة دورات متخصصة عن أسس اختيار الشريك والخطبة والزواج وما شابه من أمور، ومن الخطباء تكثيف الحديث عن تلك المشكلة التي نتج عنها عشرات الآلاف من حالات الطلاق.
والمطلوب من الإعلام إعداد البرامج التي ترفع الجهل عن تلك المسألة، لإن الظروف التي تحيط بنا، اقتصادياً وتربوياً وفكرياً وأخلاقياً وأسرياً، تحتّم علينا أن نلتفت لهذا الأمر بكلّ جدّية، وتحتّم علينا أيضاً أن نبتعد في علاجنا عن تلك التقليدية التي زادت من المشكلة بدلاً من علاجها.
فالمجتمع أيها السادة يعاني، والأسر تتهدّم، والبيوت تتدمّر، والشباب يتخبطون في قيم فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان، بينما ديننا الحنيف يأمرنا بمعالجة تلك المفاسد لأننا بحسن علاجها نرسم معالم المستقبل الصحيح.
الانهيار قاب قوسين أو أدنى
فيا ليتنا نلتفت قليلا إلى أمور هؤلاء، ونستمع إليهم، ونحاول أن نصلح الخلل الذي عمّ وانتشر، فنحن اليوم وأقولها بصراحة نعاني من «هشاشة واضحة» استوطنت في أسس المنزل الزوجي حتى وصلنا إلى مرحلة السقوط فيها أهون وأسهل بكثير من المحافظة عليها.
فما يكاد يمرُّ يوم أو بعض يوم، إلّا وأتلقّى اتصالاً من فلان أو فلانة للسؤال عن الإجراءات المتّبعة إذا ما أراد الإنسان أن يطلق..؟! وعند السؤال عن الأسباب أستنتج أنها بسيطة وتُحلّ بسهولة إذا ما نظر الطرفان إلى المصلحة العليا.
والأمر لم يقف هنا...
بل تعدّاه إلى مرحلة التضحية بحياة أسرة كاملة، خاصة حين ندرك أن الضحية الأولى لهذا الانفصال هم الأبناء الذين سيعيشون بقية العمر يعانون سلبيات هذا التصرف الأناني الذي لم يراعِ فيه الأبوان حقوق الأولاد..؟! وبدلا من العمل بقوله تعالى {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، كان العمل بالنكايات والإضرار والفضائح وكشف الحرمات..؟!
إذن.. نحن أمام مشكلة نفسية واجتماعية وتربوية لا بد من البحث عن أسبابها بكل موضوعية، وإلّا فنحن قادمون على مجتمع يعجّ بالمرضى، وحينها سيكون العلاج أصعب.. إن استطعنا العلاج..؟!

bahaasalam@yahoo.com