بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيلول 2021 12:01ص الحمد لله.. ثقافة جهاد وعزّ.. فلا تجعلوها قبولاً للفساد والذلّ

حجم الخط
اسمحوا لي وبكل صراحة أن اقول أننا كمسلمين نعاني من اعوجاج فكري في فهم قول الله تعالى {الحمد للّه ربّ العالمين} والتي وردت في سورة الفاتحة.

فكثير من الناس للأسف يعتقدون أنه مجرد قول «الحمد للّه» باللسان يجعلهم من الحامدين، وهذا أمر خاطئ، لأن الحمد ليس كلمات تقال... وليس شعارات ترفع.. وإنما هو منظومة إيمانية وأخلاقية وعملية وإنسانية، تترك آثارها الإيجابية في نفس وحياة وسلوك الإنسان، وقد ورد عن النبـيّ  صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لـيس شيءٌ أحبَّ إلـيه الـحمدُ من اللهِ تَعالـى»، ولذلك أثـنى علـى نفسه فقال: «الـحمد للّه».

فالحمد هو الرضا.. والرضا عمل.. وكل من حمد بلسانه وسخط بأعماله وقع في مفسدة التناقض... والمولى تعالى يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}..

فحين يضيق رزق عليك.. قلْ الحمد للّه قلبا وقالبا لأنك بداخلك تؤمن أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك...  وحين يموت عزيز عليك.. قل الحمد للّه بأعمالك وتصرفاتك.. لأنك متيقن أن الموت حقٌ، وأن لكل نفس أجلا..

وحين تصيبك مصيبة.. قل الحمد للّه ،لأنها اختيار الله لك، وبكل تأكيد اختبار الله لك أفضل مما كنت ستختار..

الحمد عزّ لا ذلّ

(الحمد للّه رب العالمين).... تعني أن الإنسان المؤمن يستشعر معها حلاوة الإيمان في كل أحواله ، في الخير وفي الشر، في السرّاء وفي الضرّاء، في وقت الفرج وفي وقت الأزمات، الحمد موجود في حياته كمنظومة إيمانية وحياتية تؤكد له أنه لن يكون في أرض الله إلا ما أراد الله، ولذا الحامد الحق يعيش في معيّة الله، يتساوى عنده المنع والعطاء، ولا يكون في كل أحواله إلا من الحامدين الشاكرين الراضين بما كتب الله.

ولكن... هنا لا بد من الإشارة إلى أمر هام في مفهومنا وتطبيقنا لقوله تعالى {الحمد للّه ربّ العالمين}، وهو أن الحمد للّه لا تعني أبدا الرضا بالظلم والهوان سواء كان ظلما خاصا أو عاما..

الحمد للّه... لا تعني أن يعاني المؤمن من الظلم ومن القهر ومن الفساد فيسكت ويرضى (بل وأحيانا يشارك) ثم يقول الحمد للّه.

لأن من صفات المؤمن في القرآن الكريم {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} فالحامد الحق هو الذي يرفض كل منكر ويأمر بكل معروف بالحسنى..

فليس من المقبول أن يرضى المحكوم بظلم الحاكم ويبرر هذا الرضى لنفسه بقول الحمد للّه على كل حال...

ليس من المقبول.. أن ترضى المرأة بظلم الزوج الفاجر، ثم تقول الحمد للّه..

وليس أيضا من المقبول.. أن يتقبّل الإنسان المؤمن فساد من حوله ثم يقول الحمد للّه..

ولذلك ورد عن الإمام جعفر الصادق (إنّ الله فوّض إلى المؤمن أُموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً).. وقمة الذل أن يرضى المؤمن بالظلم والفساد تحت شعارات دينية.. 

انقلاب فكري وعملي

إن ما نراه من انقلاب فكري وعملي عند البعض بأن يقولوا الحمد للّه وهم راضون بكل منكر وبكل ظلم وبكل فساد، ليسوا سوى نماذج ينطبق عليها قولُ الحق تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}..

نعم..

{الحمد للّه ربّ العالمين} لا تتحقق إلا في نفس إنسان مؤمن وكريم وعزيز وحرّ، يأبى كل مظاهر الفساد ويرفض الاعتراف والمشاركة بها، لأن الحمد عنده منهج سماوي، وعار كبير على من رضي بمنهج السماء وقال الحمد للّه، أن يرضى بمنهج المفسدين في الأرض..

ومن هنا نقول أنه من المستفز جدا أن نسمع تلك الأصوات التي تظهر في أشدّ أوقات المحن والأزمات لتقول بكل «جرأة..» لا علاقة لنا فنحن نقول الحمد للّه على كل حال، ثم تسمي نفسها حيادية.. أي أنها لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، حتى تشعر وكأنها كائنات فضائية طارئة على المجتمع البشري لا دور لها ولا أثر ولا عمل..!؟

إنها أصوات «لا صوت لها» - وإن قالت الحمد للّه - فهي تطفو على الساحة عند الشدائد وتعلن بكل فخر أنها تقف «ما بين البَيْنين»، والأنكى أنها تصور جمودها موقفا إيمانيا لا بد أن تشكر عليه..

ماذا يعني أن تقف على الحياد... وما مفهومنا للحياد..؟!

إن الحياد - مهما اختلفت تسمياته - لم يرد في نصوصنا الإسلامية إلا كصفة معيبة منبوذة لا ينبغي لمؤمن عرف ربه ودينه أنت يتصف بها أيا كانت الأسباب، لأن هذه الرذيلة في حقيقتها تعني أن هذا «الحيادي» مخلوق سلبي لم ينفعل مع حركة المجتمع من حوله ولم يدرك حسن الدور الإيماني في حياة الأمة فتحوّل إلى «دخيل» ينمو هنا وهناك ولم يعترف به طرف من الأطراف.

في حياتنا البشرية ليس هناك حياد... لأن الحياد يعني أن يكون الإنسان بلا موقف.. وبلا لون.. وبلا رأي.. وبلا أثر.. وبلا فكر.. وبلا عمل.. وبالتالي هو «إمعة» إن لم تحرّكه الرياح غصبا عنه... ظلّ في مكانه حتى يرحل... وأيضا عند موته لن يشعر به أحد..؟!

إذن.. {الحمد للّه ربّ العالمين} منظومة إيمانية شاملة، تجعل الإنسان كتلة إسلامية متحركة تبث الصلاح والإصلاح، وكل من يخالف هَدْيها سيعيش في سخط وإن ادّعي زورا وبهتانا الحمد...

إن الحيادية في زمن الأزمات وإن غلّفت بـ (الحمدلة) قولا هي خيانة لا يستلذ الاكتواء بنارها إلا صنفان:

الأول.. جاهل لم يعرف حقيقة إيمانه ولا دوره ولا عمله في هذه الحياة ولذا أصبح صفرا على اليسار... مهما كثر لا قيمة له..؟!

والثاني.. مستفيد باع نفسه «لمستفيد أكبر» سعى لتنمية مصلحته الخاصة على حساب مصلحة الجاهلين الذين كلما تضاعفوا... تضاعفت غنائمه...؟!

فيا ربنا.. اجعلنا من الحامدين الذين يعيشون الحمد قولا وعملا ويتمسكون به في كل أحوالهم، ربنا ولا تجعلنا من الذين يقولون ما لا يفعلون...





bahaasalam@yahoo.com