بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آب 2021 12:01ص الشيخ د. أسامة حداد في حوار مع «اللواء الإسلامي»: مواجهة الفساد في الحياة ليست شعاراً بل منهج حياة..

حجم الخط
أزمة تلو الأزمة تعصف بنا حتى بتنا نتخبّط في مجتمع مليء بالأزمات ومفتقد لأبسط أمور الحياة الكريمة.

الشجع والاحتكار تعشعش في النفوس الضعيفة والأنانية سيدة الموقف، فبات المواطن يعيش في مجتمع ظالم انعدمت فيه الرحمة والأخوّة بين الناس...

فالناس تتزاحم على الطوابير في محطات البنزين ومراكز الغاز وغيرها للتعبئة ثم بيعه في السوق السوداء.. 

وهنا يطرح السؤال... 

من المسؤول عن هذا الواقع الفاسد؟..

وماذا نقول أمام ما يجري؟..

هل المسؤولية تقع على الناس في الوصول إلى هذه الحالة؟.. أم على المسؤولين؟..

وأي دور للإرادة القوية لتغيير الواقع والانتفاضة والثورة على الظلم؟..

بل وأي دور للشعب لإنتاج مجتمع يعرف كرامة الإنسان؟...

وما المطلوب من المراجع الدينية والدعاة في تغيير هذا الواقع الظالم؟..

كل هذه الأمور ناقشناها في حوارنا مع المفتش العام للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى الشيخ الدكتور أسامة حداد.

واجب الشعب

{ أولا.. ما هو واجب الشعب في تغيير الواقع الظالم الذي يحيط بنا؟

- يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...} [سورة الرعد].

هذه الآية الكريمة هي دعوة من الله تعالى لنا للتغيير إلى الأفضل، وإن تغيير المجتمع يعود إلى تغيير ما في أنفس أفراده، فإذا غيَّر الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغيّر المجتمع نحو الأفضل، وإن كان التغيير إلى الأسوأ كان تغيّر المجتمع نحو الأسوأ، وهذا يؤكد أن الله عزّ وجلّ جعل مسألة التغيير بيد الإنسان، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [سورة الأنفال].

إنّ قرار التغيير في الحياة ليس فقط شعاراً، بل هو منهج حياة، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم عن القوم الذين كانوا يتأذّون من قوم يأجوج ومأجوج فقال: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً..} [سورة الكهف].

وأجمل تغيير نفرح به في لبنان هو تغيير الفاسدين والفاشلين.. تغيير الصالح بأصلح.. فكيف بالفاسد والفاشل؟؟

الفساد انتشر

{ ولكن لماذا عمّت مظاهر الفساد في المجتمع برأيكم؟

- لقد أعطانا القرآن الكريم مثلاً واضحاً عن سلوك الفاسدين فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَوةِ الدُّنيَا وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ ‌أَلَدُّ الخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ والنَّسلَ واللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَادُ} [سورة البقرة].

هذه الآية تعمّ بلفظها كل من يحسن الكلام والخطابات وينمّق العبارات، يجذب العقول ويؤثّر في النفوس وينال إعجابها.. يعجبك قوله ولا يتورّع على أن يكذب، وأن يعد ولا يفي، كما يحصل غالباً في خطاب القسم، وخطاب التنصيب، وخطابات الانتخابات... وبعد تلك الخطابات والوعود سعى في الأرض وانطلق ليفسد فيها ويهلك الحرث أي الزرع وما يقتات عليه الناس، وما تناسل من الحيوان والإنسان، ويهلك أموال الناس كما حصل في لبنان..

وفي هذا الزمان صور كثيرة من الفساد وإهلاك الحرث والنسل منها: قطع الكهرباء... قطع الدواء.. احتكار البنزين... عدم حل مشاكل الناس الاقتصادية والمعيشية، إهمال خدمات المواطنين... إضاعة أموال الناس..

{والله لا يحب الفساد} بأي صورة كان، ومن أي صنف كان، ولأي غاية كانت، والغاية لا تبرر الوسيلة..

ثم أخبر الله عزّ وجلّ عن هذا المفسد أنه إذا نُصح بترك الفساد في الأرض تكبّر ولم يقبل النصيحة من أحد، وربما يرى أنه ليس بمفسد في الأرض، غرّه شيطانه ووصل من حد فساده إلى أن يرى نفسه مصلحاً، ويدّعي الإصلاح: {وإذا قيل له اتق الله..} ودعْ الفساد في الأرض لم يقبل النصيحة، وأخذته العزّة بالإثم ولم ينقطع عن فساده {فحسبه جهنم ولبئس المهاد} تكفيه جهنم مهادا وفراشا، ومأوى يأوي إليه وعذابا له..

الصبر والعمل

{ ومع هذا الابتلاء هل المطلوب منا الصبر؟

- الصبر على البلاء فضيلة شرعية أوصانا الله بها، ولكن هذا الصبر لا يمنعنا من محاربة الفساد أينما كان، بشتى الوسائل المتاحة بما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، فإننا في لبنان نعاني من جهنم الدنيوية التي بشّرنا بها أحدهم، والتي وصل حرّها الى المواطنين بمختلف أطيافهم، يتجرّعون يومياً كأس الذل والفقر والخوف وفقدان الحاجات الأساسية، في ظل غياب تام للدولة عن معالجة الأزمات، ولا ينفّذ القانون إلا على من لا واسطة له ولا نصير، في حين أنهم يعجزون عن توقيف المهرّبين واللصوص الكبار والتجار المحتكرين، والمتلاعبين بالدولار وبلقمة عيش المواطن، ولا زالت الأزمات تتوالى، من غلاء فاحش، إلى انقطاع الكهرباء، وشحّ المحروقات، وانعدام الأمن، واستمرار التهريب، وفقدان الدواء، وتدهور القطاع الصحي، وإضراب موظفي الدوائر الحكومية، حتى أصبحت مواجهة الفساد واجباً دينياً ووطنياً، وإن استمرار الولاء للفاسدين هو مشاركة لهم في الفساد وتمكين لهم في إذلال الناس وقهرهم، ونهب مقدرات الوطن، فلا تصدّقوهم، ولا تنخدعوا بشعاراتهم، ولا خطاباتهم، هم قوم فقدوا أدنى درجات الإحساس بالمسؤولية، مصالحهم فوق كل اعتبار، وهم الراقصون على جراح الشعب، والمتخمة بطونهم بمال الشعب.. قاتلهم الله وخلّصنا منهم... إنها مسؤوليتنا جميعاً في التصدي للفساد والاستبداد، قال الكواكبي رحمه الله: «الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، فيه طالب الحقِّ فاجرٌ، وتارك حقّه مطيع، والمشتكي المتظلِّم مفسد، والنّبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين، وقد اتَّبع الناس الاستبداد في تسمية النصح فضولاً، والغيرة عداوة، والشّهامة عتوّاً، والحمية حماقة، والرحمة مرضاً، والنِّفاق سياسة، والتحيُّل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة.

العوام هم قوت المستبدِ وقوته، بهم عليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون عنه كريما... يسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة، والحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل والغباوة، فإذا ارتفع الجهل وتنوّر العقل زال الخوف، وأصبح الناس لا ينقادون لغير منافعهم... وعند ذلك لا بد للمستبد من الاعتزال أو الاعتدال» (طبائع الاستبداد، ص 49).

دور الدعاة والعلماء والمراجع

{ ما هو دور الدعاة والعلماء المراجع الدينية في تغيير هذا الواقع؟

- دورهم مهم جداً إن أدّوه كما يجب، فهم أصحاب الأمر المطالَبون بمحاربة الفساد وكشف الفاسد وعدم تغطيته كائناً من كان، وذلك قدوة بسيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم حين قال: «لَوْ ‌أَنَّ ‌فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

نسأل الله تعالى أن يغيّر حالنا هذا إلى أحسن حال، وأن يفرج عنا ما نحن فيه، ويخلّصنا من الفاسدين والفاشلين والصامتين، ويهيّئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يلطف بالعباد والبلاد...