بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 أيلول 2023 12:00ص الشيخ د. علي الغزاوي في حوار مع «اللواء»: هناك هجمة شعواء على المجتمعات البشرية كلّها والهدف إخراجها من إنسانيتها

المفتي د. علي الغزاوي المفتي د. علي الغزاوي
حجم الخط
أكّد الإسلام على معاني الأخلاق المطلوبة وشوّق إليها وحثّ النفوس عليها وكرّرها وأعادها حتى يتذكّر المسلم دائماً وينصبغ بها فيكون أثرها واضحاً في سلوكه.
فللأخلاق في الإسلام مكانة عظيمة جدًّا، تظهر من وجوه كثيرة ومنها الحديث الشريف عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ومنها تعريف الدين بحسن الخلق، فقد جاء أن رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ما الدين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (حسن الخلق).
فالأخلاق هي أساس المجتمع المسلم، ومنها تنطلق كل نشاطات الحياة، وبها تلتزم، وداخل أطرها تكون حركة الحياة.
وما نشهده اليوم من حرب شعواء على الأخلاق ما هي إلّا جزء من حرب كبيرة تريد هدم منظومة الأخلاق في كل البلاد حتى تعيث في الأرض فسادا وتحقق أهدافها الخبيثة.
ومن هنا كان اللقاء مع مفتي زحلة والبقاع الشيخ الدكتور علي الغزاوي حيث أجرينا معه الحوار التالي:

المساجد هي مصانع الرجال

{ بداية ما هو دور الدعوة في توعية الناس والاقتداء بالأخلاق؟
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد للّه والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، إن المساجد هي مصانع الرجال والرجال مصانع الأمة، ولذلك وليس مصادفة أن يبدأ النبي عليه الصلاة والسلام بعد هجرته ولادة الدولة من ولادة المسجد، فمن خلال المسجد أسس المجتمع، ومن خلال المجتمع والمسجد استطاع أن يربط علاقة مع غير المسلمين في المدينة المنورة على أساس الوثيقة التي وقّعها عليه الصلاة والسلام بينهم وبين اليهود، ولذلك نعتبر أن المساجد هي المدينة الأولى لصناعة المجتمع الإسلامي، وبصناعة المجتمع يستطيع هذا المجتمع أن يكون على لسان الوحي الذي جاء من السماء من خلال نطق الوحي وعبر هؤلاء الذين صنعهم بيت الله جعلوا الوحي مترجما في سلوكهم.
ومن هنا عندما نقول المسجد يعني أن تسجد الأجساد للّه ولا تسجد الحياة من خلال المصلين للّه جلّ جلاله، فالمصلي عندما يسجد للّه ويخرج من بيت الله يجعل الحياة كلها سجدة للّه تعالى، من هنا تعتبر أهمية المساجد من أهمية الدعوة ومن أهمية إقامة الشريعة فلا إقامة للشريعة كاملة إلّا من خلال ما يمكّنها، وما يمكّنها هو بيت الله، ولذلك كانت أحب الأمكنة الى الله جلّ جلاله المساجد، وهي الباعث الحقيقي لنهضة الأمة.
والمساجد هي مبعث روحها وحضارتها مقترنة بدعوتها وبروح قياداتها، نعم كم نحن بحاجة إلى حملات توعية أخلاقية في ظل هذه الهجمة الشرسة على أخلاق أبنائنا ومجتمعاتنا، ونحن نعتبر أن حملات التوعية ينبغي أن تبدأ من المسجد لانه من أتى إلى المسجد اتى ليسمع كلام الله، ومن هنا اعتاد الخطيب في الوعظ أن يقول أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، وفي المساجد خطاب الله سبحانه وتعالى، وإذا سمع المسلم خطاب الله لا شك بأن المؤمن عليه أن يعي الخطاب، ومن هنا يقول ابن عباس رضي الله عنهما إذا سمعت قول الله ({يا أيها الذين آمنوا} فأرعه سمعك وارعه بصرك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه)، فكانت المساجد وما زالت هي التي ينبغي أن يعمل على تأسيس الدعوة فيها تأسيسا صحيحا لتبني بعد ذلك أخلاقيات المجتمع، فالمسجد تُقال فيه الكلمة حتى تترجم تلك الكلمة روحا وحياة في المجتمع، ومن المؤكد أن الأخلاق ليست محاضرة ولا خطبة إنما الأخلاق هي ممارسة بالحياة، وعندما يمارس المؤمنون الأخلاق فيما بينهم بالحد الأدنى في بيت الله تنطلق تلك الأخلاق حياة سلوكية واجتماعية وليس ذلك فيما بينهم فحسب بل بينهم مع غيرهم.

هجمة على الأسرة كلها

{ وماذا عن الهجمة الشرسة التي نشهدها.. هل هي تستهدف الإسلام وحده أن تستهدف العائلة والإسلام معا؟
- هذه الهجمة التي نراها اليوم على العائلات وعلى الأسرة كلها هي هجمة على الإنسانية، يريدون أن يخرجوا الإنسانية من معناها، ولذلك عندما تجد أشياء تخالف الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، فإن من وراء هذه الهجمة الشرسة ومن خطّط لها وسهّل أراد من هذه الهجمة أن يصرف الإنسان عن إنسانيته، ولذلك تجد كل أهل الشرائع لا يرضون بهذه الأخلاقيات الزائفة التي تقدّم أو تقتحم مجتمعنا وكأنها هي الأساس، لذلك يعتبرون انه من أراد أن يواجهها فهو يعاقب أو يراد منه أن يعاقب لأنه يتعدّى على حرية الإنسان ولا يعرفون انه بذلك الفعل أو هذه الأخلاقيات التي تقتحم دورنا أنهم يعتدون على الحرية الإنسانية بحد ذاتها.

للدعاة دور كبير

{ وما هو دور الدعاة في المساجد في ظل هذا الخطر الداهم، وهل يمكن أن تؤدي مواقفهم إلى نتيجة؟
- الدعاة هم المحور وهم النواة التي ينطلق منها سلوك المجتمع وإستنفار مهمة الدعاء هي المبدأ الأول، فعلينا أن تكون الدعوة إلى الله كما يريد الله بيضاء صافية نقيّة وأن يكون عند الدعاء الخطة الممنهجة في إيصال الأخلاق الحسنة إلى المجتمع، لانه كما قيل من ليس عنده خطة لعمله فهو جزء من خطة الغير، ونحن نحتاج إلى خطة لبثّ الخير في المجتمع ولنواجه خطة الغير الذي يريد أن يدمّر المجتمع، ومن هنا على المجتمع أن يكون واعيا وبخاصة الدعاة، فإذا كان الداعية ناجحا وإذا كان الداعية قارئا للواقع وإذا استعمل الأساليب التي يستطيع إيصالها إلى المجتمع فسيكون ناجحا، وكل الأساليب اليوم هو بحاجة إليها شرط أن تكون هذه الأساليب متوافقة مع الشريعة وأن تكون شريفة، لأن عندنا الغاية لا تبرر الوسيلة، بل ينبغي للغاية الشرعية أن تكون لها وسيلة شرعية، وأن يتخذ الوسائل المشروعة والتي هي معتبرة قانونا حتى تكون خادمة لهذه الدعوة الحسنة، فالمجتمع يحتاج إلى الداعية لأنه نواة إصلاح المجتمع، وإذا كان الداعية ناجحا وكان مخلصا لا شك بأنه إن أذن الله له في الدعوة سيجعل الله عليه خيرا كثيرا.

وسائل التواصل

{ وماذا عن دور وسائل التواصل الاجتماعي، هل يمكن أن تجدي نفعا أم لا بد من أن تنطلق من المساجد؟
- وسائل التواصل هي جزء اليوم من آلية العمل في الدعوة إلى الله، فممكن نحن أن نحوّل أداة الإرسال إلى أداة الإصلاح اليوم، هذه الوسائل التي بين أيدينا باستطاعتنا أن نستخدمها للإرشاد وللتوعية، وأنا أسميتها الجديدة لأنها تخاطب الجيل الجديد، وإذا كان الجيل الجديد هو المستهدف لدى الغير فينبغي أيضا أن يكون كذلك عندنا، نستهدفه للإصلاح والتوعية والتوجيه والتربية، وأن تتصدّى لما يقتحمونه من الأخلاق، ومن هنا فإن الجيل الجديد لسانه هذه الوسائل وعينه هذه الوسائل، وبالتالي علينا النطق بها في خطابنا وبالأسلوب المؤثّر والمقنع حتى لا نكون من الذين اختفوا عن المجتمع، فعندما نخاطب بلسان الواقع علينا أن نستعمل الأساليب التي تصل المعلومة إلى الآخر، ويكون المتلقّي مشتهيا لسماعها كما يشتهي الطعام عندما يجوع جسده.
{ وما هي النصائح التوجيهية التي تتقدم بها؟
- إذا كان هناك من كلمة فلا بد أن نقول علينا أن نعي واقعنا وعلينا أن نستعمل هذا الوعي في واقعنا، وعلينا أن نكون قدوة بين الأمم فإن الأمم بانتظار دعاتها، فعلى الدعاة أن يقوموا بما يلزم وبما هو فرض عليهم أمام الله تعالى، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}، فعندما نقوم على الكتاب، وعندما نقوم على سنّة النبي صلى الله عليه وسلم  عند ذلك نتأكّد أن الدعوة إذا قامت في أهلها استطاع أهلها ومن خلالها أن يغيّروا العالم، فالمسلم بحاجة إلى نور ينير له الطريق وأهل الدعوة هم النور إذا عاشوه.. حتى يعيش الغير بنوركم.